سلام و مرحبا


أقوم المسالك، مدوّنتكم لما وراء الأخبار السّياسيّة و كلّ ما يهمّ الشّأن العام.
Showing posts with label إخوان تونس. Show all posts
Showing posts with label إخوان تونس. Show all posts

Saturday, January 24, 2015

براكاج في مطار قرطاج


كل شيء مهم. كل شيء له تأثير و نتائج و يدل و يرمز إلى إتجاه إن لم نقل طريقة تفكير أو عقيدة. كل شيء و فكرة و جماد ضئيل جزء مما يكبره. ونحن كبشر نتأثر راديكاليا بالمحيط. و حياتنا خاضعة أيما خضوع إلى تقلبات مزاجنا. فعن طريق حالتنا الذاتية نتفاعل مع الدنيا و غالبا ما تكون نتائج تفاعلاتنا من جنس مجازنا. و المهم هنا أن المحيط المتفاعل-معه هو نفسه المحدد الرئيسي للمزاج.
كل هضبة زبلة و  كيس أسود عالق في شجرة و حفاضة أطفال مستعملة أمام منزل نشاز البناء ذو3 طوابق العليا منها على الطراز اللبناني (أقصد لبنان-الحرب اﻷهلية. فما أبشع منازلكم الغير-مكتملة يا مدمني الياجور) و حفرة  للطريق مؤذية للعجلات قاتلة و كل كلب "عربي" خواف نباح و كل قاطع-طريق قابع أمام "خليفة" للفواكه الجافة و كل مجرم يصفع مومسا بالمطعم و يعيرها بمهنتها و هي أجيرة عنده هو نفسه و كل إداري ليس للسلام رادا و لا للخدمة منجزا و كل رسالة تصل متأخرة بالبريد و مسروقة رغم أن ساعي البريد لا يعرف لحيّنا مدخلا و يجافينا أصلا و كل سيارة تتجول بأموالي و أموالك ﻷن حفظ اﻷمن بعد اﻹنقلاب الناعم يتم بالتجول بسيارات على الكورنيش و توقيف الدراجات النارية باﻷحياء الراقية…
كل تلك اﻷشياء مهمة. و كل تلك اﻷشياء ترمز إلى الجزء اﻷكبر من طريقة تفكير  و عقيدة تونس كمجموعة بشرية.
للقارئ أن يضيف عشرات أخرى على نفس الوزن من حياته. لا تؤاخذني على اختيار هذه الجرائم بحق مزاجي الشخصي. أنا كاتب هذه السطور و عليك بالمتصالحين المتحاورين الديمقراطيين المتحاذقين (خاصة بقايا اﻹتجاه-اﻹسلامي و التجمع مرسكلا كاملا) إن أردت أن يأتيك حديث "تونس الخضراء" و "السعي لمصلحة تونس" و"اﻷمن و اﻷمان". فأنا لا يأتيني ساعي البريد.
كل تلك اﻷشياء محددة لنفسية اﻹنسان. و السعادة أسمى أهداف التعامل اﻹنساني فالتنظم اﻹجتماعي وصولا إلى ممارسة السلطة. فلماذا إذا يتحدث التعساء كثيرا و عن ماذا يتحدثون؟ يظهر المتحاذقون على قنوات الدعارة-صنف-"مش-عيب" و التي تعرف كذلك بالتلفزات التونسية من قبيل تونس7 و افتح الصندوق و عقلك مغلق و سيرين لابسة محزوق إلخ. لكن مؤتمراتهم و برامجهم التلفزية و جامعاتهم و محاكمهم و منظماتهم لا يمكن تمحي أن طفلا إسمه خميّس في حي ما في مدينة ما في تونس، سيقضي رعبا ﻷن 5 كلاب سائبة تعيش على فضلات عائلة خميّس نفسه هاجمته ففقد صوابه و أصابه السكري صنف1.
من الجاني و من الضحية بالله عليكم؟ أهو شعب سارق نزق جبان يعشق القذارة أم حكامه و هم منه و عليه، أم هو خميّس نفسه؟ لماذا تسمحون لهم باللغة الخشبية و الكذب عليكم و كأنكم الصم البكم؟ ربما في الحقيقة تعلمون أنكم كلكم متورطون خائضون في الدم الحرام مع أسيادكم (المحتل) و خدم أسيادكم المقربين (من تركهم المحتل للحراسة).
لا مرتشي بدون راش و تأخرنا الجذري عن اﻷمم المتحضرة مرآة لواقعنا و ليس حيفا و كلكم تتذمرون لكن بضاعتكم هي نفسها التي ردت إليكم.
للتذمر أخلاق أيضا: لا يجب أن ينسى الجالسون بالمقهى المردودون لعبارات "هذي بلاد توة!؟" و "بلاد خامجة كلاتها الزبلة بنزرت" و "حتى البحر خامج"، أنه يوجد مسؤول وحيد: نحن.
أرانا نضرب من أجل 30 دينار زيادة وهمية في اﻷجور و لكننا لا نعتصم لتتوقف مجازر المسطحات المائية بتونس من جراء تبرّزنا في نفس مياه شرابنا (طاقات التصريف و المعالجة في تونس شبه منعدمة، أين تضنها ذهبت بعد أن أكملت حاجتك؟هه.) . بلاد تتبرز في مشربها، لكنها ديمقراطية.  
اﻹنتخابات تؤدي أحيانا إلى غياب الصراحة و الحقيقة عندما تكون التربية اﻹعلامية لعموم المواطنين من عيار "يفتح الستار". فكلا الشيخين يستطيعان التودد و النفاق و مدح جموع الناخبين، و ذلك بالضبط ما حصل فكانت الساحة السياسية كلها تبّعا.  أما الشيخ المتمسك بتلابيب رداء السبسي فقد أبدع في لغة الخشب فردّد "حكومة وحدة وطنية" و ترجمتها بالعامية إستجداء على وزن "براس أمك كرسي ولَّا 2 ". و بالطبع في السياسة من يستجدي موقعا فهو لا يقدر عليه و لا فائدة من الوصال معه. و بالعامية السبسي "طفّاه صديقوا متع باريس بعدما انتهى المكتوب".  
طالما نكذب سنبقى شعبا خسيسا. طالما الكلمة تقال كيفما اتفق و لا يكون وراءها اﻷشاوس يذوذون عنها و يمارسونها سيبقى إعلامنا في واد و شعب القابعين أمام خليفة للفواكه الجافة في واد. طلما لا نتصارح بخورنا فلا سبيل لتصديق كذب اﻹصلاح و السياسيين و المنظمات.
ربما بعض القراء و خاصة من اﻷسلاك التي ذكرتها (كلها بأم عيني و لا مؤاخذة فهذا هو المعيار) سيحسون بالغبن من كلامي. خصوصا أنه ألفوا كلاما لا يستهوي إلّا الطفل السمين المكتنز. كلام من قبيل: في المؤسسة "ج" اﻷغلبية عمال بارعون و فقط توجد أقلية فاسدة. أو كلام من قبيل و حاشا المخلصين منهم و هم الغالبون عديدا إلخ…
لماذا تتعصبون و تستحيلون قبائل في أعمالكم؟ تلك قبيلة المعلمين و تلك قبيلة المحامين و الكل ينهش المزايا و يحمي منتسبيه حتى/خصوصا في ظلمهم. يا سيدي أو سيدتي، إن كنت تعمل بالبريد أو بالبلدية أو بأي مما ذكرت فلا عارف ﻷفعالك حقيقة إلا أنت و ربك. فإن وجدت كلامي عليك منطبقا فاغضب فأنت مخل و سارق و أتمنى أن تحرك كلماتي بعضا من ضميرك. و أما إن كنت إنسانا أمينا خدوما لبقا فلن تنفعك منّي لغة اﻹعتذارات الخشبية الطفولية من قبيل و حاشا المخلصين منهم. كلّنا كبار و التلهي بالشكل عن المضمون من شيم المومسات.  
يقال أن اﻷمور بخواتمها. اليوم كنت بصدد المغادرة عن طريق مطار قرطاج. و قرطاج هذه هي مملكة مضخمة وهمية إستعملها بن علي ثقافيا و هي في الحقيقة مثل اﻹتحاد السوفييتي في زمانها، تبخر زبدها عند ملامسة صخور روما و بان زيف ادعاءات القوة و المنافسة التي لم تكن يوما.
يوجد طقس غريب مريع يمر به كل المغادرين عن طريق مطار قرطاج:
يضطر المسافر إلى شراء طابع جبائي ب60 دينارا أو لا يمر!
حاولت أن أجد وجها لحسن التدبير في هذا اﻵداء التونسي100% فلم تسعفني إلى صورة "البراكاج". الدولة التونسية لا يهمها أن تكون خواتم رحلات زائريها و سياحها و مواطنيها بالمسك رمزا لكرم و عدل و شهامة تونس. لا. الدولة التونسية تعلم أنّك كمسافر مجبر على الدفع و لا مفر، فتستغل ذالك إستغلال فاحشا (قارن 60 دينار باﻷجر اﻷدنى مثلا) و تقوم ببراكاج: من يدفع يمر. ما أسوأه تدبير أن تكون آخر ذكرى لمن يزور تونس براكاج قانوني. هذا اﻹجراء يكاد يصرخ أنه كتب في تونس بعقلية إستغلالية من أمام خليفة الحماص.
بئس ما دبّرتم. و كما أسلفت: تصارحوا بخوركم و لا يغرنكم تحاذق خميّس على التلفاز. فإنك إن قابلت كلاب خميّس و ديكور بلاتو حياته من الزبلة لكان أبلغ من كلماته و كلاماتي.

Monday, June 10, 2013

تعثّر المسار الثّوري التّونسي، لماذا؟


كنت قد ناقشت في مقال سابق على موقع نواة (أنظر"المعزق في ثورة تونس…بين التعريف والواقع") المصاعب المتعلّقة بتعريفات الثّورة التّونسيّة و تأثير ذلك على إستمراريّتها. و الآن يطلّ علينا عيد الشّهداء بمواجهات حامية بين الجهاز الأمني لحكومة الثّورة و فصائل معارضة متعدّدة، مواجهات تعيد طرح أسئلة كثيرة من حيث الإتّهامات و سقف المطالب: الحكومة تتهّم معارضيها بالسّعي على إسقاطها و المعارضون يتّهمون الحكومة باستعمال "شبّيحة" إلخ...
و في مواصلة للنهج الدّيماغوجي المعهود من نخب بن علي السّياسيّة، تمّ وضع الصّراع في إطار الإسلاميّين ضدّ اليسار. و إن كنت أرى بأنّ الإستقطاب الأيديولوجي يفسّر جزءا مهمّا من الأحداث التّي جدّت خلال عيد الشّهداء و قبيله إلّا أنّ الإقتصار عليه يغيّب عوامل مبدأيّة من طابع الثّورة نفسها. و قد تفكّرت في الأمر و رأيت أنّ الجميع لا يختلفون حول وجود التعثّر. امّا المهمّ الآن فهو تشخيص موطن الدّاء المتأصّل في جسم الثّورة و قد توصّلت إلى جرد 4 عوامل أساسيّة:
1) عدم إكتمال "التّطهير الثّوري":
أو كما عرفناه على شكل حملات شعبيّة عفويّة "ديقاج". و قد تمّ إجهاض هذا المسار في مرحلة جنينيّة و لم يكن بعد قد استكمل هدف تطهير المؤسّسة العموميّة. و هذه الحملات مثّلت ذروة الثّورة و وفّرت "للثوّار" نتائج آنية كفيلة بإضفاء الزّخم و إطالة نفس الجمهور من خلال تقديم ثمال ملموسة و إشفاء غليل الثّائرين. و قد تمّت "هزيمة" هذا التحوّل أو على الأقل الحدّ منه من خلال التّسويف و اعتماد عامل الوقت عموما ممّا حرم التّونسيّين من ثورة مؤسّسات مكتملة.
2) إستكانة الجماهير و الإنحراف بالطّاقة الثّوريّة:
تمثّل هذا في مغادرة الجماهير للسّاحات و أماكن الإعتصامات فور بلوغ خبر هروب بن على. و خلق هذا الفراغ في السّيطرة على الشّارع المتزامن مع الإنسحاب الأمني فرصة لجحافل النّهب و الحرق حتّى تعيث فسادا. و قد أفسدت "أيّام الجمر" والإنفلات الأمني، التّي تلت النّصر النسبيّ، الفرحة على الثّوار كما شوّهت الصّورة الأولى للثّورة عند القطاعات الشّعبيّة الكبيرة (الأغلبيّة) التّي لم تشارك بالثّورة أو لم تتفطّن لها أصلا (عد إلى المقال السّلف الذّكر).
و في مرحلة ثانية، و خصوصا بعد الإنتخابات برز الإستقطاب الثّنائي و الذّي إنحرف بالإمكانيّات الثّورية نحو الصّراع الإسلامو-علماني. و رغم إيماني بأنّ هذا الصّراع كان سيأتي لا محالة إلّا أنّه كان مبكّرا متجاوزا بذلك أهداف الثّورة الواضحة نسبيّا و المتوافق على خطوطها العريضة كالتّطهير المؤسّساتي و الإصلاح الهيكلي الشّامل و المحاسبة و غيرها.
3) إنعدام التنظّم الثّوي:
من المؤسف أنّ أقصى حدّ للتنظّم الثّوري بعد هروب المخلوع كان "مجموعات الحراسة" في الأحياء و التّي غذّاها الخوف من السّرقة لا الدّافع الثّوري عموما. أي أنّ الثّوار لم ينتظموا فورا في تنسيقيّات أو مجالس لفرض الأمر الواقع على أيّ سلطة قادمة و ممارسة الحكم فعلا. عوضا عن ذلك، تقهقرت الثّورة بسرعة إلى أحضان مؤسّسات المعارضة التّقليديّة (معارضة بن علي) من أحزاب و نقابات و منظّمات مدنيّة. و لا يخفى علينا أنّ تلك الهياكل مهترئة و عديمة الجدوى ثوريّا لسببين رئيسيّن: أوّلا قمع بن علي الذّي لم يترك منها سوى قشور و أسماء غالبا وثانيا اعتيادها ذاتيّا على دور الضّحيّة و عدم جهوزيّتها للثّورة المباغتة أو حملها لمشروع ثوريّ بديل. و قد أدّى هذا المسار إلى الإنخراط في المطلبيّة و الإستجداء بدل فرض الوقائع.
4) النّهضة و "الإصلاح النّاعم":
ليس إتّهاما أن نقول أنّ الحركة الكبرى في تونس لم تساند بشكل مباشر التحرّكات الثّوريّة التي تلت هروب بن علي و حاولت النّأي بنفسها عن الشّارع بطريقة أوحت للكثيرين أنّ قيادة الحركة لا تزال تخاف من النّظام أو من إستفزاز الحكومة الإنتقاليّة. و قد تواصل هذا النّهج النّاعم بعد تولّي الحكم على نحو عام حيث نرى براغماتيّة زائدة و استعمالا تصالحيّا للغّة الرّسميّة لا يوحي بحكومة ثوريّة بل إصلاحيّة أساسا.
إذا ما مصير الحراك الثّوي؟
حسب رأيي ستستمرّ المواجهات و التحرّكات الفوضويّة (لا ترقى للّاسلطويّة) والتّي لا يمكنها تقديم البديل و لا يجمعها سوى العدوّ المشترك(التّرويكا، الحكومة، النّهضة...)و التّي تؤدّي إلى تردّي الواقع الإقتصادي. و في المواجهة ستكون السّلطة محتشمة و بطيئة و عاجزة على مجاراة المطالب و الأمنيات التّي يغذّيها غرماؤها. و لكّن هذا التكهّن إن صحّ القول ليس محتوما و يمكن أن تنقلب الموازين في حالة تمكّن أحد اللّاعبين من تحقيق تغيير معتبر في أحد العوامل الأربعة أو حصول أمر جلل آخر.
محمّد فراس العرفاوي

Thursday, October 11, 2012

تسريبات فيديو الغنّوشي: أخيرا تنكشف الحقيقة


حظي الفيديو المرفق أعلاه باهتمام إعلاميّ منقطع النّظير. و قبل تناول المحتوى فقد أردت أن أعرّج بالقارئ على ظاهرة سياسيّة فريدة في تونس. فالقوى السّياسيّة المعارضة، لم تعي جيّدا أنّ نشر أيّ فيديو لشخصيّة إسلاميّة محوريّة لا يصبّ في مصلحتها الإنتخابيّة. و كما كان الأمر قبيل الإنتخابات السّابقة، فمرّة أخرى تجد النّهضة سبيلها إلى شاشات و ألسن مقترعين محتملين على ظهور المعارضة. أمّا حول صحّة الفيديو من عدمه، و بعد الإطّلاع على ما قدّم على أنّه الفيديو الكامل من طرف المتهّمين، فإنّي أرى صحّته. أؤخّر إحتمال التّزوير لا لإعتبارات تقنيّة بل لأنّ المحتوى الموضوعيّ نفسه لا يشذّ عن المتعارف عليه. 
أمّا حول المحتوى، فهب أن كان الغنّوشي صرّح بأنّ الجيش و الشّرطة و الإدارة علمانيّة و رجعيّة و لا ثوريّة. فأين مكمن العجب و ماهو السّر الذّي كان مطمورا و برز؟ 
في الحقيقة، قول النّهضة أنّ "أقليّات" في أجهزة الدّولة هي فقط المعادية للثّورة هو ما يمكن الطّعن فيه. فيمكن لنا تنزيله منزل المهادنة السّياسيّة و المراعات المرحليّة إن أردنا. لكنّ الواقع يبقى كما هو: أغلب المؤسّسات و خصوصا العاملين فيها من الإطارات السّامية هم من رجالات النّظام السّابق. و تحصين الثّورة ضدّ القوى الرّجعيّة داخل الجيش و الشّرطة و الإدارة واجب شرعيّ بل هو حتميّ لنجاح الثّورة من عدمه. 
أمّا حول الطّبيعة العلمانيّة للنّخب المتنفّذة: إنّ هذا المر مفروغ منه. بن على لم يكن إسلاميّا و لم يستخدم الإسلاميّين و يعطهم المناصب الإداريّة و الإعلاميّة. و هو معلوم لمن أراد أن يتبصّر أن بن على إستخدم نخبا إستئصاليّة يساريّة لتحقيق برامجه الثّقافيّة و التعليميّة و الإعلاميّة. لكنّ هذا ليس شهادة خيانة على كلّ العلمانيّين أو اليساريّين. فليس كلّ من ينتمي لفكر سائد ظالم بظالم كفرد في حدّ ذاته. 
إنّ التعجّب من حقائق ثوريّة بديهيّة كهذه مثير للرّيبة من طرف المشكّكين. كما أتنفّس الصّعداء لأنّ هذا الفيديو كشف أنّ بعضا من النّخب الحاكمة على علم بالتّوازنات الثّوريّة. أي أنّ النّهضة على الأقلّ تعي أنّ أعداء الثّورة متنفّذون هذا الوعي أقلّ الإيمان و يفنّد الشّائعات حول تحالف لها مع التجمعيّين. 

Friday, July 20, 2012

النّهضة و تكرّر الخطأ التّاريخيّ




"لا يلدغ المؤمن من الجحر مرّتين"
إنّ إستمراريّة الحركات و التنظيمات البشريّة عموما من حيث دورة حياتها محكومة بضوابط طبيعيّة كما هي سائر الكائنات. فكلّ ما برح طور النّماء فهو بالضّرورة والج لأحد أطوار الأفول. و إنّ عنفوان و شباب الحركات لا يقاس بمقدار من شيب أو من سواد في شعور زعمائها و إنّما بقدرتها على تقصّي أوجه المرض و النّقصان في بنيانها و من ثمّ معالجتها. و تجدر الإشارة هنا إلى أنّ كلتا الفعلين مقترنان ببعضهما إقترانا وثيقا: فقدرة المجموعة على التّقصي العميق لمكامن النّقص تحذو حذو القذّة بالقذّة مع قدرتها على جبر مواطن الضّرر بعد ذلك. أي قدرتها على أن لا تلدغ من نفس الجحر مرّتين بعد أن كانت قد حدّدت مصدر اللّدغة إن سمح الـتّعبير.
و بعد معرض حديثنا حول هذه المبادئ العامّة و القواعد الكليّة، أردت أن ألج بالقارئ في صلب مبحثنا، و هو و كما ينبئ العنوان حول "حزب حركة النّهضة".
أطلّ علينا مؤتمر النّهضة، و الذّي إنعقد مؤخّرّا[1]، في حلّة الهديّة الأخرى و الثّمرة الجديدة من ثمار الثّورة. فالمؤتمر العاديّ و العلنيّ الأوّل للحركة المرشّحة لتبوّئ مكان معتبر إن لم نقل قياديّ على الخارطة السّياسيّة التّونسيّة لزمن معتبر حسب كلّ التّقديرات، يعدّ محرارا للنّضج السّياسيّ في تونس.
أمّا بعد هذا الكلام و نحوه كثير و لا داعي للإطناب حول مناقب المؤتمر و رمزيّته و الإحتفاء به و هو ما تمّ تناوله من طرف ألسنة و أقلام عديدة خصوصا على أعمدة الجرائد القريبة من الإسلاميّين و على رأسها  جريدة الفجر النّاطقة باسم النّهضة. و لكن المفيد و النّافع هو الحديث الآن حول مآخذنا على المنحى العّام للمؤتمر. فللأسف الشّديد، و لكن كما كنت أتوقّع، تجاهل المؤتمر أو بالأحرى أكّد على نهج تناسي الأمر الأعظم أهميّة و الذّي كان يفترض أنّ نقاشه هو الأولويّة القصوى:
ما هو الخطئ و السّبب من داخل الحركة نفسها الذّي مكّن بن علي فعليّا من هزيمة النّهضة و قصم ظهرها و نفيها من التّواجد على السّاحة العامّة. كلّ ذلك فعله بن علي رغم أفواج الأسرى و الشّهداء و مواكب التّضحيات إلى حدّ أن جيلي (أي ما كان يسمّى بجيل بن علي و المتراوحة سنّه بين ال18 و ال22) لم يكن يعرف حتّى بوجود الحركة أو كلمة النّهضة رأسا. و من أصابه بعض من علم فكانت كلمة """"""""""""""""''خوانجيّة" أقصى ما بلغه  وتناهى إليه. إلّا من رحم ربّي أو إبتلاه بهذه المعرفة في عهد بن علي حسب الحالات.
إنّ مكمن الوهن الذّي أدّى إلى هذا الإنهيار هو الجدير بالبحث في حقيقة الأمر. فلا يغرّن الإسلاميّين إستتباب الأمر لهم حينا وردهة من الزّمن. فقد إستتبت لغيرهم من قبل حتّى أغرتهم ببناء القصور كأنّهم فيها خالدون. ماذا لو عادت الدّكتاتوريّة في شكل إنقلاب أو إحتلال أو أيّ شكل من ألاعيب عاديات الزّمن القاهرات؟ ماذا جهّزت الحركة حتّى تكون من الصّلابة و القّوة بمكان حتّى لا يسهل على معتد تذويبها و نفيها كما حدث من قبل؟ إنّ المؤمن و الإنسان اللّبق لا يترك أسباب وهنه و ضعفه بدون تعهّد و عمل لمجرّد تغيّر خارج عن تأثيره و يمكن أن يكون ضرفيّا.
و حتّى لا أكون كالدّاعي للشّيء والتّارك له من بعد ذلك، فسأطرح أحد أهمّ هذه الأخطائ و رأسها حسب رأيي: إنّ إختيار الحركة بالإنغماس كلّية بالعمل السّياسيّ[2] و تغليب الصّفة الحزبيّة على الحركيّة و تغييب الرّافد الدّعوي و الإجتماعيّ هو من أبرز أسباب الضّعف الذّي مكّن بن علي ممّا توّصّل له في معركته مع الحركة. 

فل يكن مثالنا الإخوان المسلمين في مصر: و هم كننظرائهم التّونسيّين لا يعتمدون العنف وسيلة لنشر فكرتهم. و كان بالمرصاد لهم أنكى و أقوى من نظرائهم التّونسيّين ممثّلا في نظام عسكريّ معبّئ أيديولوجيّا و لكّنه لم يتمكّن من إزالتهم. لم يكن للنّظام المصري أن يتغلّب على الإخوان المسلمين لأنّهم كجماعة إنخرطوا في المجتمع و كانوا جزئا أساسيّا من نسيجه و لم يقصروا وجودهم و جهودهم على أمر السّياسة مهملين أمورا أخرى. بل كانوا كأيّ مستثمر لبق منوّعين لجهودهم في باقات مختلفة قادرة على جذب أطياف متباينة الإهتمامات و القدرات و متّفقة في الفهم التّطبيقيّ المعاصر للإسلام. هكذا، و بهذا التّنويع في النّشاطات ضمنت الجماعة بعض غوائل الدّهر و أمنت تقلّب جانبه فكانت جاهزة بعد الثّورة لإضافة جهاز سياسيّ، حزب الحريّة و العدالة، كمجرّد أداة أخرى في سبيل خدمة المشروع لا كمقيّد له أو محدّد لأفقه.
إنّ السّاحة التّونسيّة و صفوف الإسلاميّين الدّاعمين للنّهضة تعجّ بمؤمنين بالإسلام كدين قادر على تقويم الحياة و تصويبها. و لكّن قدراتهم و آمالهم و رغباتهم لا تتناسب مع العمل السّياسيّ بحدوده و ضوابطه المكبّلة. إنّ الحركة يجب أنّ تفكّر جديّا في طريقة لتصريف كلّ تلك المجهودات و القدرات بطريقة تخدم المشروع الإسلاميّ التقدميّ. أدعو الحركة إلى خلق جسم فوقيّ و منفصل ربّما يكون إسمه حركة النّهضة (بدون لفظ حزب) يكون حركة بامتياز و أكبر من الحزبيّة والسّياسة. أو إن وجدت قدرا أكبر من الشّجاعة و لا أضنّ ذلك عليها بعزيز، فلماذا لا تعود إلى الإسم الرّائع "حركة الإتّجاه الإسلامي"  و تكون حركة دعويّة خيريّة إجتماعيّة و تكون السّياسة مجرّد فرع للعمل الإسلاميّ.