سلام و مرحبا


أقوم المسالك، مدوّنتكم لما وراء الأخبار السّياسيّة و كلّ ما يهمّ الشّأن العام.

Friday, July 20, 2012

النّهضة و تكرّر الخطأ التّاريخيّ




"لا يلدغ المؤمن من الجحر مرّتين"
إنّ إستمراريّة الحركات و التنظيمات البشريّة عموما من حيث دورة حياتها محكومة بضوابط طبيعيّة كما هي سائر الكائنات. فكلّ ما برح طور النّماء فهو بالضّرورة والج لأحد أطوار الأفول. و إنّ عنفوان و شباب الحركات لا يقاس بمقدار من شيب أو من سواد في شعور زعمائها و إنّما بقدرتها على تقصّي أوجه المرض و النّقصان في بنيانها و من ثمّ معالجتها. و تجدر الإشارة هنا إلى أنّ كلتا الفعلين مقترنان ببعضهما إقترانا وثيقا: فقدرة المجموعة على التّقصي العميق لمكامن النّقص تحذو حذو القذّة بالقذّة مع قدرتها على جبر مواطن الضّرر بعد ذلك. أي قدرتها على أن لا تلدغ من نفس الجحر مرّتين بعد أن كانت قد حدّدت مصدر اللّدغة إن سمح الـتّعبير.
و بعد معرض حديثنا حول هذه المبادئ العامّة و القواعد الكليّة، أردت أن ألج بالقارئ في صلب مبحثنا، و هو و كما ينبئ العنوان حول "حزب حركة النّهضة".
أطلّ علينا مؤتمر النّهضة، و الذّي إنعقد مؤخّرّا[1]، في حلّة الهديّة الأخرى و الثّمرة الجديدة من ثمار الثّورة. فالمؤتمر العاديّ و العلنيّ الأوّل للحركة المرشّحة لتبوّئ مكان معتبر إن لم نقل قياديّ على الخارطة السّياسيّة التّونسيّة لزمن معتبر حسب كلّ التّقديرات، يعدّ محرارا للنّضج السّياسيّ في تونس.
أمّا بعد هذا الكلام و نحوه كثير و لا داعي للإطناب حول مناقب المؤتمر و رمزيّته و الإحتفاء به و هو ما تمّ تناوله من طرف ألسنة و أقلام عديدة خصوصا على أعمدة الجرائد القريبة من الإسلاميّين و على رأسها  جريدة الفجر النّاطقة باسم النّهضة. و لكن المفيد و النّافع هو الحديث الآن حول مآخذنا على المنحى العّام للمؤتمر. فللأسف الشّديد، و لكن كما كنت أتوقّع، تجاهل المؤتمر أو بالأحرى أكّد على نهج تناسي الأمر الأعظم أهميّة و الذّي كان يفترض أنّ نقاشه هو الأولويّة القصوى:
ما هو الخطئ و السّبب من داخل الحركة نفسها الذّي مكّن بن علي فعليّا من هزيمة النّهضة و قصم ظهرها و نفيها من التّواجد على السّاحة العامّة. كلّ ذلك فعله بن علي رغم أفواج الأسرى و الشّهداء و مواكب التّضحيات إلى حدّ أن جيلي (أي ما كان يسمّى بجيل بن علي و المتراوحة سنّه بين ال18 و ال22) لم يكن يعرف حتّى بوجود الحركة أو كلمة النّهضة رأسا. و من أصابه بعض من علم فكانت كلمة """"""""""""""""''خوانجيّة" أقصى ما بلغه  وتناهى إليه. إلّا من رحم ربّي أو إبتلاه بهذه المعرفة في عهد بن علي حسب الحالات.
إنّ مكمن الوهن الذّي أدّى إلى هذا الإنهيار هو الجدير بالبحث في حقيقة الأمر. فلا يغرّن الإسلاميّين إستتباب الأمر لهم حينا وردهة من الزّمن. فقد إستتبت لغيرهم من قبل حتّى أغرتهم ببناء القصور كأنّهم فيها خالدون. ماذا لو عادت الدّكتاتوريّة في شكل إنقلاب أو إحتلال أو أيّ شكل من ألاعيب عاديات الزّمن القاهرات؟ ماذا جهّزت الحركة حتّى تكون من الصّلابة و القّوة بمكان حتّى لا يسهل على معتد تذويبها و نفيها كما حدث من قبل؟ إنّ المؤمن و الإنسان اللّبق لا يترك أسباب وهنه و ضعفه بدون تعهّد و عمل لمجرّد تغيّر خارج عن تأثيره و يمكن أن يكون ضرفيّا.
و حتّى لا أكون كالدّاعي للشّيء والتّارك له من بعد ذلك، فسأطرح أحد أهمّ هذه الأخطائ و رأسها حسب رأيي: إنّ إختيار الحركة بالإنغماس كلّية بالعمل السّياسيّ[2] و تغليب الصّفة الحزبيّة على الحركيّة و تغييب الرّافد الدّعوي و الإجتماعيّ هو من أبرز أسباب الضّعف الذّي مكّن بن علي ممّا توّصّل له في معركته مع الحركة. 

فل يكن مثالنا الإخوان المسلمين في مصر: و هم كننظرائهم التّونسيّين لا يعتمدون العنف وسيلة لنشر فكرتهم. و كان بالمرصاد لهم أنكى و أقوى من نظرائهم التّونسيّين ممثّلا في نظام عسكريّ معبّئ أيديولوجيّا و لكّنه لم يتمكّن من إزالتهم. لم يكن للنّظام المصري أن يتغلّب على الإخوان المسلمين لأنّهم كجماعة إنخرطوا في المجتمع و كانوا جزئا أساسيّا من نسيجه و لم يقصروا وجودهم و جهودهم على أمر السّياسة مهملين أمورا أخرى. بل كانوا كأيّ مستثمر لبق منوّعين لجهودهم في باقات مختلفة قادرة على جذب أطياف متباينة الإهتمامات و القدرات و متّفقة في الفهم التّطبيقيّ المعاصر للإسلام. هكذا، و بهذا التّنويع في النّشاطات ضمنت الجماعة بعض غوائل الدّهر و أمنت تقلّب جانبه فكانت جاهزة بعد الثّورة لإضافة جهاز سياسيّ، حزب الحريّة و العدالة، كمجرّد أداة أخرى في سبيل خدمة المشروع لا كمقيّد له أو محدّد لأفقه.
إنّ السّاحة التّونسيّة و صفوف الإسلاميّين الدّاعمين للنّهضة تعجّ بمؤمنين بالإسلام كدين قادر على تقويم الحياة و تصويبها. و لكّن قدراتهم و آمالهم و رغباتهم لا تتناسب مع العمل السّياسيّ بحدوده و ضوابطه المكبّلة. إنّ الحركة يجب أنّ تفكّر جديّا في طريقة لتصريف كلّ تلك المجهودات و القدرات بطريقة تخدم المشروع الإسلاميّ التقدميّ. أدعو الحركة إلى خلق جسم فوقيّ و منفصل ربّما يكون إسمه حركة النّهضة (بدون لفظ حزب) يكون حركة بامتياز و أكبر من الحزبيّة والسّياسة. أو إن وجدت قدرا أكبر من الشّجاعة و لا أضنّ ذلك عليها بعزيز، فلماذا لا تعود إلى الإسم الرّائع "حركة الإتّجاه الإسلامي"  و تكون حركة دعويّة خيريّة إجتماعيّة و تكون السّياسة مجرّد فرع للعمل الإسلاميّ.

2 comments:

bintelbahr said...

قلم واعد.. واصل الكتابة مع أكثر تركيز.
مقترحات جديرة بالاهتمام
سعاد

Unknown said...

شكرا سيّدتي