سلام و مرحبا


أقوم المسالك، مدوّنتكم لما وراء الأخبار السّياسيّة و كلّ ما يهمّ الشّأن العام.
Showing posts with label إسلاميّوا تونس. Show all posts
Showing posts with label إسلاميّوا تونس. Show all posts

Saturday, January 24, 2015

براكاج في مطار قرطاج


كل شيء مهم. كل شيء له تأثير و نتائج و يدل و يرمز إلى إتجاه إن لم نقل طريقة تفكير أو عقيدة. كل شيء و فكرة و جماد ضئيل جزء مما يكبره. ونحن كبشر نتأثر راديكاليا بالمحيط. و حياتنا خاضعة أيما خضوع إلى تقلبات مزاجنا. فعن طريق حالتنا الذاتية نتفاعل مع الدنيا و غالبا ما تكون نتائج تفاعلاتنا من جنس مجازنا. و المهم هنا أن المحيط المتفاعل-معه هو نفسه المحدد الرئيسي للمزاج.
كل هضبة زبلة و  كيس أسود عالق في شجرة و حفاضة أطفال مستعملة أمام منزل نشاز البناء ذو3 طوابق العليا منها على الطراز اللبناني (أقصد لبنان-الحرب اﻷهلية. فما أبشع منازلكم الغير-مكتملة يا مدمني الياجور) و حفرة  للطريق مؤذية للعجلات قاتلة و كل كلب "عربي" خواف نباح و كل قاطع-طريق قابع أمام "خليفة" للفواكه الجافة و كل مجرم يصفع مومسا بالمطعم و يعيرها بمهنتها و هي أجيرة عنده هو نفسه و كل إداري ليس للسلام رادا و لا للخدمة منجزا و كل رسالة تصل متأخرة بالبريد و مسروقة رغم أن ساعي البريد لا يعرف لحيّنا مدخلا و يجافينا أصلا و كل سيارة تتجول بأموالي و أموالك ﻷن حفظ اﻷمن بعد اﻹنقلاب الناعم يتم بالتجول بسيارات على الكورنيش و توقيف الدراجات النارية باﻷحياء الراقية…
كل تلك اﻷشياء مهمة. و كل تلك اﻷشياء ترمز إلى الجزء اﻷكبر من طريقة تفكير  و عقيدة تونس كمجموعة بشرية.
للقارئ أن يضيف عشرات أخرى على نفس الوزن من حياته. لا تؤاخذني على اختيار هذه الجرائم بحق مزاجي الشخصي. أنا كاتب هذه السطور و عليك بالمتصالحين المتحاورين الديمقراطيين المتحاذقين (خاصة بقايا اﻹتجاه-اﻹسلامي و التجمع مرسكلا كاملا) إن أردت أن يأتيك حديث "تونس الخضراء" و "السعي لمصلحة تونس" و"اﻷمن و اﻷمان". فأنا لا يأتيني ساعي البريد.
كل تلك اﻷشياء محددة لنفسية اﻹنسان. و السعادة أسمى أهداف التعامل اﻹنساني فالتنظم اﻹجتماعي وصولا إلى ممارسة السلطة. فلماذا إذا يتحدث التعساء كثيرا و عن ماذا يتحدثون؟ يظهر المتحاذقون على قنوات الدعارة-صنف-"مش-عيب" و التي تعرف كذلك بالتلفزات التونسية من قبيل تونس7 و افتح الصندوق و عقلك مغلق و سيرين لابسة محزوق إلخ. لكن مؤتمراتهم و برامجهم التلفزية و جامعاتهم و محاكمهم و منظماتهم لا يمكن تمحي أن طفلا إسمه خميّس في حي ما في مدينة ما في تونس، سيقضي رعبا ﻷن 5 كلاب سائبة تعيش على فضلات عائلة خميّس نفسه هاجمته ففقد صوابه و أصابه السكري صنف1.
من الجاني و من الضحية بالله عليكم؟ أهو شعب سارق نزق جبان يعشق القذارة أم حكامه و هم منه و عليه، أم هو خميّس نفسه؟ لماذا تسمحون لهم باللغة الخشبية و الكذب عليكم و كأنكم الصم البكم؟ ربما في الحقيقة تعلمون أنكم كلكم متورطون خائضون في الدم الحرام مع أسيادكم (المحتل) و خدم أسيادكم المقربين (من تركهم المحتل للحراسة).
لا مرتشي بدون راش و تأخرنا الجذري عن اﻷمم المتحضرة مرآة لواقعنا و ليس حيفا و كلكم تتذمرون لكن بضاعتكم هي نفسها التي ردت إليكم.
للتذمر أخلاق أيضا: لا يجب أن ينسى الجالسون بالمقهى المردودون لعبارات "هذي بلاد توة!؟" و "بلاد خامجة كلاتها الزبلة بنزرت" و "حتى البحر خامج"، أنه يوجد مسؤول وحيد: نحن.
أرانا نضرب من أجل 30 دينار زيادة وهمية في اﻷجور و لكننا لا نعتصم لتتوقف مجازر المسطحات المائية بتونس من جراء تبرّزنا في نفس مياه شرابنا (طاقات التصريف و المعالجة في تونس شبه منعدمة، أين تضنها ذهبت بعد أن أكملت حاجتك؟هه.) . بلاد تتبرز في مشربها، لكنها ديمقراطية.  
اﻹنتخابات تؤدي أحيانا إلى غياب الصراحة و الحقيقة عندما تكون التربية اﻹعلامية لعموم المواطنين من عيار "يفتح الستار". فكلا الشيخين يستطيعان التودد و النفاق و مدح جموع الناخبين، و ذلك بالضبط ما حصل فكانت الساحة السياسية كلها تبّعا.  أما الشيخ المتمسك بتلابيب رداء السبسي فقد أبدع في لغة الخشب فردّد "حكومة وحدة وطنية" و ترجمتها بالعامية إستجداء على وزن "براس أمك كرسي ولَّا 2 ". و بالطبع في السياسة من يستجدي موقعا فهو لا يقدر عليه و لا فائدة من الوصال معه. و بالعامية السبسي "طفّاه صديقوا متع باريس بعدما انتهى المكتوب".  
طالما نكذب سنبقى شعبا خسيسا. طالما الكلمة تقال كيفما اتفق و لا يكون وراءها اﻷشاوس يذوذون عنها و يمارسونها سيبقى إعلامنا في واد و شعب القابعين أمام خليفة للفواكه الجافة في واد. طلما لا نتصارح بخورنا فلا سبيل لتصديق كذب اﻹصلاح و السياسيين و المنظمات.
ربما بعض القراء و خاصة من اﻷسلاك التي ذكرتها (كلها بأم عيني و لا مؤاخذة فهذا هو المعيار) سيحسون بالغبن من كلامي. خصوصا أنه ألفوا كلاما لا يستهوي إلّا الطفل السمين المكتنز. كلام من قبيل: في المؤسسة "ج" اﻷغلبية عمال بارعون و فقط توجد أقلية فاسدة. أو كلام من قبيل و حاشا المخلصين منهم و هم الغالبون عديدا إلخ…
لماذا تتعصبون و تستحيلون قبائل في أعمالكم؟ تلك قبيلة المعلمين و تلك قبيلة المحامين و الكل ينهش المزايا و يحمي منتسبيه حتى/خصوصا في ظلمهم. يا سيدي أو سيدتي، إن كنت تعمل بالبريد أو بالبلدية أو بأي مما ذكرت فلا عارف ﻷفعالك حقيقة إلا أنت و ربك. فإن وجدت كلامي عليك منطبقا فاغضب فأنت مخل و سارق و أتمنى أن تحرك كلماتي بعضا من ضميرك. و أما إن كنت إنسانا أمينا خدوما لبقا فلن تنفعك منّي لغة اﻹعتذارات الخشبية الطفولية من قبيل و حاشا المخلصين منهم. كلّنا كبار و التلهي بالشكل عن المضمون من شيم المومسات.  
يقال أن اﻷمور بخواتمها. اليوم كنت بصدد المغادرة عن طريق مطار قرطاج. و قرطاج هذه هي مملكة مضخمة وهمية إستعملها بن علي ثقافيا و هي في الحقيقة مثل اﻹتحاد السوفييتي في زمانها، تبخر زبدها عند ملامسة صخور روما و بان زيف ادعاءات القوة و المنافسة التي لم تكن يوما.
يوجد طقس غريب مريع يمر به كل المغادرين عن طريق مطار قرطاج:
يضطر المسافر إلى شراء طابع جبائي ب60 دينارا أو لا يمر!
حاولت أن أجد وجها لحسن التدبير في هذا اﻵداء التونسي100% فلم تسعفني إلى صورة "البراكاج". الدولة التونسية لا يهمها أن تكون خواتم رحلات زائريها و سياحها و مواطنيها بالمسك رمزا لكرم و عدل و شهامة تونس. لا. الدولة التونسية تعلم أنّك كمسافر مجبر على الدفع و لا مفر، فتستغل ذالك إستغلال فاحشا (قارن 60 دينار باﻷجر اﻷدنى مثلا) و تقوم ببراكاج: من يدفع يمر. ما أسوأه تدبير أن تكون آخر ذكرى لمن يزور تونس براكاج قانوني. هذا اﻹجراء يكاد يصرخ أنه كتب في تونس بعقلية إستغلالية من أمام خليفة الحماص.
بئس ما دبّرتم. و كما أسلفت: تصارحوا بخوركم و لا يغرنكم تحاذق خميّس على التلفاز. فإنك إن قابلت كلاب خميّس و ديكور بلاتو حياته من الزبلة لكان أبلغ من كلماته و كلاماتي.

Thursday, December 20, 2012

النّهضة و التّحول الثّوري للإخوان دوليّا





رغم التّقاطع الأيديولوجيّ الجذريّ و التّماهي التّنظيميّ للإخوان المسلمين عالميّا، لا يمكننا وضعهم كتيّار في سلّة واحدة[1]. يصرّ الإخوان المسلمين، الآن على الأقلّ، على أنّ المنظّمات القطريّة كإخوان الأردن و الإمارات و سوريا تتمتّع باستقلال تامّ في إتّخاذ القرار. كما أنّ الإختلافات الموضوعيّة بين الظّروف في هذه الأقطار تفرض على إخوان كلّ قطر إنتهاج تكتيكات واستراتيجيّات مختلفة لا محالة. فإخوان سوريا، كبقيّة المعارضين السّوريّين، يتعاملون مع حرب ثوريّة  معلنة و شاملة. بينما يتعاطى الإخوان الأردنيّون مع ثورة أو حراك ذي طابع سلميّ يغلب عليه سقف مطالب سياسيّة لا تطالب بقلب النّظام رأسا. أمّا الفصيل الأمّ، أي الإخوان المسلمين في مصر، فيواجه وضعا فريدا حيث لا تزال ديناميكيّة الثّورة متأجّجة بينما يسيطر الإخوان على مقاليد السّلطة التّنفيذيّة و التّشريعيّة عموما.
رغم هذه الإختلافات الجذريّة إلّا أنّ تحوّلا إستراتيجيّا عميقا يجمع التّيارات المذكورة قاطبة. فلقد مرّ الإخوان في مصر من مرحلة القبول المتفاجئ للثّورة في بداياتها إلى رأس حربة الثّورة. فممثّل حزب الحريّة و العدالة المنبثق عن الجماعة، الدّكتور محمّد مرسي، خاض الإنتخابات الرّئاسيّة، و خصوصا جولة الإعادة منها، كمرشّح الثّورة و حامل لوائها أمام خطر الرّدة المفجع ممثّلا في منافسه أحمد شفيق. أمّا في الأردن فقط صار الإخوان الفصيل النّشيط و الأكبر في إطار الحراك الشّعبيّ. و رغم تمسّكهم، إلى حدّ الآن بعدم رفع سقف التّظاهر غلى شعار إسقاط النّظام إلّا أنّهم يقفون على طرفي النّقيض من السّلطة و قوى الفساد في الأردن[2]. أمّا سوريا، و التّي ندعو اللّه أن يخفّف على ثوّارها المدنيّين و يقرّب من نصر الكتائب الثّوريّة المقاتلة على قوّات و شبّيحة نظام البعث الإشتراكي، فقد شهدت إنخراط الإخوان في الثّورة منذ بداياتها. و رغم صعوبة التحقّق من وجود هياكل تنظيميّة إخوانيّة مقاتلة، و هو ما ينفونه[3]، إلّا أنّ هياكل التّنظيم و من منافيها تصدّرت الجهود الرّامية لتوفير الحاضنة السّياسيّة للثّورة.
فلا شكّ إذا أنّ الإخوان إختاروا التحوّل من مقعدهم التّقليديّ المعارض  للحكم إلى تصدّر المشهد الثّوريّ بل و قيادته كما الحال في مصر خصوصا و الأردن إلى حدّ ما. فالثّورة العربيّة فرضت على كلّ القوى البحث عن تموقع جديد على الساحة السّياسيّة. و رغم تذبذب آداء الإخوان بادئ الأمر و جنوحهم نحو موقفهم التّقليديّ في البحث عن التّوافقات إلّا أنّ تموقعهم أخذ يتجلّى أكثر كلّما إمتدّت الثورة زمنيّا. و كان الخيار الواضح هو الوقوف بجانب الثّورة و تبنّي تكتيكات ثوريّة قاطعة مع الدّكتاتوريّة.
فماذا عن الحالة الإخوانيّة في مهد الثّورة-تونس- متمثّلة في حزب حركة النّهضة؟
تختلف الوضعيّة تماما بالنّسبة لحركة النّهضة و ذلك لإعتبارات عديدة. فالنّظام التّونسيّ الدّكتاتوريّ، بقيادة بو 
 رقيبة و خلفه بن علي،مارس سياسة "تجفيف منابع الإسلام" و القمع الشّديد المترافق مع أجندة حظاريّة تغريبيّة قاسية لم يشهد لها العالم العربيّ مثيلا (فحتّى في سوريا، القمع كان مركّزا على التّنظيم السّياسيّ الإسلاميّ لا على الحظارة الإسلاميّة في مجملها. و قد أدّت هذه الحملة،في جملة ما تمخّضت عنه، إلى إجتثاث تامّ لحركة النّهضة تنظيميّا وتحلّل وجودها إلى حدّ الإختفاء من السّاحة العامّة سوى بضع أفراد لم يكبّلهم السّجن أو التّجويع أو الخوف أو كلّها مجتمعة فبقوا ناشطين. متسلّلين خصوصا من خلال النّقابات و المنظّمات الحقوقيّة و حتّى الأحزاب الأخرى كالدّيمقراطي التقدّمي الذّي قوى عوده بفضل الهجرة القسريّة للإسلاميّين إليه. و بهذا تختلف الحركة الإخوانيّة التّونسيّة عن نظرائها سواءا في الدّاخل (مكّن النّظام السّابق رغم المضايقات، اليسار التّونسيّ عموما من الحفاظ على وجوده النّخبويّ و تغلغله الإداريّ و دور ثقافيّ لم يكن يزعج النّظام) أو بالخارج في طباق مع إخوان مصر و الأردن اللذّين حافظوا على تماسك تنظيماتهم و وجودها.
تظافر عنصر الإضمحلال السّابق الذّكر، مع عنصر السّبق و المفاجأة التّامّة خلال الثّورة التّونسيّة. فلم يكن لحركة النّهضة وجود أو مساهمة تنظيميّة رغم دعم قياداتها المهجّرة للإحتجاجات و مشاركة عناصرها و طيف من الإسلاميّين عموما في مجريات الثّورة. و لملمت الحركة على عجل ما تيسّر من أبنائها و راهنت على النّهج التّأسيسيّ. و كان لها، و ربّما عليها، أن شاءت الجماهير التّونسيّة أن تقود النّهضة مسار التّأسيس. كما يضاف إلى ذلك طبيعة الوضع الثّوريّ التّونسيّ[4] و ضعف حدّته و قصر مدّته مقارنة بالثّورات الأخرى.
و خلال ذلك كلّه و إلى الآن يتجلّى الإختلاف الكبير بين النّهضة و بقيّة الإخوان. لم تتمكّن الحركة أن تتجاوز شعارات الثّورة التّى تزدان بها برامجها إلى جهة تبنّيها منهاج عمل و إستراتيجيّة لحركة ثوريّة. فالحكومة الإئتلافيّة بقيادة النّهضة كانت و لا تزال تجنح إلى إتّباع السّبل التوافقيّة و العاديّة في تتبّعها لفلول لنّظام  السّابق. كما كانت تحويراتها، خصوصا الأمنيّة منها[5]، تكتسي طابعا ترقيعيّا إصلاحيّا لا قاطعا و ثوريّا. كما أنّ جماهير الحركة لا تزال غير مفعّلة و معبّأة لتحقيق أيّ مطلب ثوريّ يستلزم دعما شعبيّا. و بهذا المقياس، شأنها شأن جلّ الطّبقة السّياسيّة التونسيّة[6]، تبقى حركة النّهضة بجلباب الحركة الإصلاحيّة و لم تتجاوز تلك المرحلة إلى تبنيّ الإستراتيجيّات الثّوريّة كما بقيّة الإخوان.
و يتمظهر التّخلّف الإخوانيّ التّونسيّ عن ركب التحوّلات الثّوريّة الدّاخليّة لبقيّة الإخوان في تمظهرات عدّة، أحصي منها: ضعف الزّخم الثّوريّ الشّعبيّ و انحصاره مؤخّرا،او بالأحرى على الأقلّ و أخيرا، في رابطات حماية الثّورة التّي لا يتوافق حولها الطّيف السّياسيّ. واتّباع المسار القضائي و القانوني العاديّ لمحاسبة بقايا نظام بن علي على خلاف القرارات الثّوريّة لمرسي من قبيل قانون حماية الثّورة[7] الذّي أصدرته رآسة مصر. كما تظلّ تداعيات خسارة معركتي الإعلام و القضاء، النّاتجمتين أساسا عن تخوّف زائد من جيوب الردّة المتمترسة بهما، تكبّل مسار الإنتقال الثّوريّ و العدالة.
لا شكّ أنّ الأيّام المقبلة من عمر الثّورة التّونسيّة ستكون حبلى بالأحداث المتسارعة. و ازدياد المخاطر و التّهديد الرّجعيّ من قوى الردّة يفرض على حركة النّهضة مراجعة نهجها الحركيّ[8] و الإقتداء بالجديّة و الحسم الذّي تطوّر لدى أسلافها من حركات إخوانيّة خصوصا الإخوان المسلمون بمصر.