سلام و مرحبا


أقوم المسالك، مدوّنتكم لما وراء الأخبار السّياسيّة و كلّ ما يهمّ الشّأن العام.

Thursday, July 26, 2012

تونس: أخلاقنا إلى أين؟


إنّ الأخلاق ليست لفظة جوفاء أو رمزا لبضع حركات ميكانيكيّة من إحترام رزمة من الضّوابط السّلوكيّة السّطحيّة. بل الأخلاق علم واسع متعدّد الفروع و كتب فيه و سال عليه كثير من الحبر. و لا غرو في أهميّته و هو المنوط به إيجات الآليّات المنطقيّة المحدّدة للخطأ من الصّواب و فرز السيّء من الجيّد. فإدراجنا لتّوصيف اللّغويّ "حسن" أو "سيّء" على فعل أو سحبها على فاعل أو فكرة ليس وليد لحظة متسرّعة و إنّما هو من حيث نشعر و لا نشعر مستوجب لنظريّات تحكمه و خاضع لتراكمات تاريخيّة و ثيولوجيّة طويلة.
و رغم أنّ أغلب "الأخلاق" غير مدوّنة أو مكتوبة و لا يرجع إلى مراجعها عند إتّخاذ جلّ القرارات إلّا أنّه الضّابط الحقيقيّ و الفعليّ للتّعاملات اليوميّة في شكل قواعد ضمنيّة متعارف عليها. فالنّسيج الأخلاقيّ هو الحاجز و الضّمان من الإنزلاق في الرّيبة المستفحلة و فقدان الثّقة بالمحيطين و بالتّالي الفوضى.
لا يمكن لقانون أو سلطة إذا أن تصلح من شأن طبيعة و جودة حياة مجموعة بشريّة بدون توفّر النّسيج الأخلاقيّ الحيويّ كداعم. فلا يمكن إيجاد آليّة يكون بموجبها لكلّ بائع و موضّف و مسؤول حارس يتثبّت من أفعاله. فالكلام البذيء في الشّاع و معاكسة البنات و التحرّش و الغشّ في الأسواق كلّها أمور لا يد لأيّ حكومة عليها في كلّ الأوقات سواء كانت ديمقراطيّة أو ديكتاتوريّة.
و لعلّنا نتّفق الآن على أنّ البلية و الإهتراء أصابا البنيان القيميّ و الميزان الأخلاقيّ لشعبنا التّونسيّ وأنّ التثبّت من ذلك لا يستلزم سوى إطلالة صغيرة على أيّ شارع مكتضّ.
من الأمثلة الكثيرة على هذا التفسّخ غياب الأمن و الإحساس به و الرّيبة المستمّرة و وجوب الحيطة المتواصلة. كما أنّ عدم القدرة على الثّقة بالآخر تجد رافدها في إستفحال الكذب و عدم القدرة على تبيّن الحقيقة من البهتان. ويصل الكذب كظاهرة إلى قطاع الإعلام، واجهة الشّعب و نافذته، الذّي لا يفتأ يطالعنا بأخبار زائفة و فظائح تزوير. كما صارت بعض الفضائيّات نوافذ مفتوحة على الرّذيلة و السّوء و بابا للتّطبيع مع مشاهد كان التّونسيّ يستهجنها بالماضي القريب. و أمّا عن الفضائ الإلكتروني و فوضاه العارمة وإشاعاته المغرضة فحدّث و لا حرج.
كما تصعد كنتيجة للتفسّخ الأخلاقي صورة البطل التّونسيّ كشخص قادر على غشّ غيره و تحصيل مكاسبه بكلّ الوسائل سواء السويّة أو الملتوية  و يطلق عليه لفظ "المهفّ" و يحتفي به المجتمع كشخص قادر و ذكيّ في قلب للصّورة المنطقيّة من وجوب إدانة السّلوكيّات الملتوية.
تغلغل أسلوب الغشّ في كلّ طبقات المجتمع و لم تسلم من النّخب بل كانت سبّاقة في ريادة مسار المغالطة و التفسّخ. و الدّليل على أنّ المرض يتجاوز أساليب الدّكتاتوريّة إلى كونه ظاهرة عامّة و شاملة، يكمن في المجلس التّأسيسي المناط به التّأسيس لنقيض الدّكتاتويّة و الإستبداد. فطالعتنا الصّفحات الإلكترونيّة بنوّاب بالمجلس و هم يقومون بالتّصويت خلسة مزوّرين للأصوات في ضلّ غياب زملائهم. و هذه الحادثة شديدة الرّمزيّة حيث تتعلّق بالحقيقة بمحاولة لتزوير إرادة شعب بأكمله واستسهال غشّه بكبسة زرّ من طرف نائب غشّاش. أمّا الأنكى من ذلك فهو مرور الحادثة مرور الكرام و عدم إتّخاذ أيّ إجراء عقابيّ يليق و حجم الجرم المقترف و تجاهل المسألة و ترك المهمّة لعامل الوقت لتمييعها و وضعها طيّ النّسيان.
أدّت 50 سنة من التّغريب الحضاريّ القسريّ و من التّيه و تغييب الثّوابت الإجتماعيّة إلى نسف و تقطيع أساس و خيط النّسيج الأخلاقي بتونس و هو الإسلام بلا منازع. فسبب تفشّي الفساد الخلاقي و التّطبيع معه هو تلك القطيعة المصطنعة و البتر القسريّ لمسار وجوبيّ من التطوّر الطبيعيّ للأخلاق بتونس. فالحقيقة أنّ الأخلاق في وطننا متماهية حدّ التمازج مع الإسلام. فكان تجفيف و قطع الجذر الإسلاميّ بمثابة حكم بالإعدام على فرعه و غصنه الطبيعيّ أي الأخلاق. و تمّت محاولة لزرع أخلاقيّات و أنماط عيش فرنسيّة بالأساس و أدّى فشل هذه المحاولة إلى نمط مجتمعيّ مشوّه لا هو فرنسيّ و لا هو إسلاميّ أصيل.
كما كان التّعليم غائبا، و لا يزال، عن دوره الأساسيّ في المساهمة في التّربية. بل و نجد المحيط المدرسيّ في أحيان كثيرة في نشر الإفساد و قتل بذور الخير و التميّز. و كأن لفظ المؤسّسة التّربويّة لم يتجاوز يافطات المدارس و الشّعارات الحكوميّة. بل نجد الإطار التربويّ نفسه غير مؤهّل في حالات عديدة لتّعامل مع التلاميذ و تتوالى الفضائح و أقلّه غياب الإحترام و حوادث الإعتداء المتبادل بين الإطار التربويّ و التّلاميذ الذّي يصل في أحيان كثيرة إلى العنف.  
بالتّالي و ،بما أنّه لا يمكن لمسيرة التقدّم بتونس أن تنجح فاقدة للإطار الأخلاقيّ الحاضن، وجب علينا كمجتمع التفكّر بطرق لإعادة غرس و تعهّد البنيان القيميّ التونسيّ. و يبدو أن أهمّ ثلاث محور لهذا الإصلاح ستكون الإعلام و الدّين و التّعليم:
أمّا الإعلام فيجب ترشيد الوسائل الإعلاميّة العموميّة و إيجاد البديل الهادف و مخاطبة عقول التّونسيّين بدلا عن غرائزهم. و يجب إرجاع الهيبة و الدّور المحوريّ للإسلام كمشكّل رئيسيّ للأعراف و الضّوابط الإجتماعيّة من خلال دعوة المسلمين و تعريفهم أكثر حول مبدئ الحلال و الحرام و تفقيههم فيما يصلح شأن دنياهم قبل آخرتهم. هذان المجهودان يجب أن يترافقا مع إرساء تعليم مبدئيّ تكون للعلوم الإنسانيّة به مكانة و قيمة لتمكين النّشئ من الأدوات المنطقيّة اللّازمة لتحديد الخطئ من الصّواب.   
"إنّما الأمم الأخلاق".  
رابط المقال كما نشر على موقع نواة

Saturday, July 21, 2012

The downfall of the “know-all-do-nothing” era



written as a follow up to a discussion with a beautiful exiting person on the shores of Bizerte...
It seems that in every age, there exists a persuasion that the world is on the verge of a great change. This “global felling” is so recurrent through history that it might well be the most persistent constant in human thought. It might be that the sheer make up of human physiognomy, in other words nature, and the way we perceive and acquire knowledge, is the reason why we tend to have an overpowering impulse for self-gratification in that manner.
In the following inquiry, I will not go astray from that natural line of thought. I shall also announce early on that I believe we are witnessing the dawn of a new mode of civilization. The intense geopolitical changes that are triggered or enhanced by the Arab spring have led to the re-entry of millions to the circle of history making. These millions of Muslims and Arabs have been for centuries “outcasts” and their resuming of influencing events and the world around them, is bent to have a deep impact. But my quest in this piece of thought isn’t about that “new dawn” that I have made a trial at explaining in my previous article. I am rather concerned with explaining the seeming downfall of the present model of civilization. For the changes caused by this prophesied transition are to be felt for decades and maybe centuries to come: Western civilization and its intriguing relationship with the “information”.  
I have come to realize that what constituted the “rise” of modern western powers is for a great part its ways of dealing with the information. The computer, an information processor, is of course found at the heart of daily life for us moderns. Let us consider the symbolic and real implication of that fact: The computer is a machine that can process, arrange and even transform overwhelming amounts of data in incredibly short time spans. This basic function showcases the tendency of, us modern human beings and our obsession with the quest for unlimited data even though our own brains are incapable of dealing with that data. Let alone reacting to data. The sheer amount of information that we have “under control” prevents us from the natural basic tendency to react.
The impotency to react is the essential glue that links the incompatible parts of our civilization. It is that inability that makes Human rights conventions coexist with arms deals and knowledge about the earth, and the pollution affecting, it with rising oil demands. Isn’t actually incredible that we have evolved so that our knowledge actually has nothing to do with our behavior?  A majority of developed world habitants, per say, are well aware of the imminent danger posed by global warming: yet no drastic action has been taken to prevent it. But how are we to blame these inactive masses for what is in fact a survival tool?
Our early exposure to chocking imagery and then to large chunks of information bundled together with an artificial social convention rather than personal will or strife is to blame. One is almost compelled to that exposure to popular media and there is no real choice when it comes to the educational path that most modern follow. There exists in front of our eyes far too much information than we can naturally deal with.  Our lives are meant to be reduced to a prolonged museum walk: We can identify the different pieces and some bright people can even make sophisticated and intelligent remarks about them. But just like in a museum, when you see an anger soliciting painting  you do not punch the wall right away as a way of reaction: you aren’t meant to react to the data, no matter how shocking, that you are exposed to in your life.
There is a blockade on Gaza[1], ethnic cleansing in Myanmar[2] and thousands are dying in Syria[3] are not statement that are meant to give you an incentive to choose sides and act upon them. It does not actually matter that they are happening as you read. Rather, and just like the popular expression wisely puts it; it is just so you know that popular media even tells us about these events.
But one need not get concerned, for maybe we are living the last moments of the “know all do nothing” era. I place my hopes on the Arab spring being able to put forth a more humane and emphatic alternative to the world. If history is on our side, maybe we will have a chance at reintegrating the values of help, compassion and above all justice that are at the core of Islamic thought. This eventuality can only be suffocated by the dulling effect that the democratic process can have on the spirit and energy of nations due to the illusion of perfection it procures. Maybe the masses and the energy that managed to depose Arab dictators in bulk will make it through to offer that so awaited new mode of civilization.
Maybe.   

Friday, July 20, 2012

النّهضة و تكرّر الخطأ التّاريخيّ




"لا يلدغ المؤمن من الجحر مرّتين"
إنّ إستمراريّة الحركات و التنظيمات البشريّة عموما من حيث دورة حياتها محكومة بضوابط طبيعيّة كما هي سائر الكائنات. فكلّ ما برح طور النّماء فهو بالضّرورة والج لأحد أطوار الأفول. و إنّ عنفوان و شباب الحركات لا يقاس بمقدار من شيب أو من سواد في شعور زعمائها و إنّما بقدرتها على تقصّي أوجه المرض و النّقصان في بنيانها و من ثمّ معالجتها. و تجدر الإشارة هنا إلى أنّ كلتا الفعلين مقترنان ببعضهما إقترانا وثيقا: فقدرة المجموعة على التّقصي العميق لمكامن النّقص تحذو حذو القذّة بالقذّة مع قدرتها على جبر مواطن الضّرر بعد ذلك. أي قدرتها على أن لا تلدغ من نفس الجحر مرّتين بعد أن كانت قد حدّدت مصدر اللّدغة إن سمح الـتّعبير.
و بعد معرض حديثنا حول هذه المبادئ العامّة و القواعد الكليّة، أردت أن ألج بالقارئ في صلب مبحثنا، و هو و كما ينبئ العنوان حول "حزب حركة النّهضة".
أطلّ علينا مؤتمر النّهضة، و الذّي إنعقد مؤخّرّا[1]، في حلّة الهديّة الأخرى و الثّمرة الجديدة من ثمار الثّورة. فالمؤتمر العاديّ و العلنيّ الأوّل للحركة المرشّحة لتبوّئ مكان معتبر إن لم نقل قياديّ على الخارطة السّياسيّة التّونسيّة لزمن معتبر حسب كلّ التّقديرات، يعدّ محرارا للنّضج السّياسيّ في تونس.
أمّا بعد هذا الكلام و نحوه كثير و لا داعي للإطناب حول مناقب المؤتمر و رمزيّته و الإحتفاء به و هو ما تمّ تناوله من طرف ألسنة و أقلام عديدة خصوصا على أعمدة الجرائد القريبة من الإسلاميّين و على رأسها  جريدة الفجر النّاطقة باسم النّهضة. و لكن المفيد و النّافع هو الحديث الآن حول مآخذنا على المنحى العّام للمؤتمر. فللأسف الشّديد، و لكن كما كنت أتوقّع، تجاهل المؤتمر أو بالأحرى أكّد على نهج تناسي الأمر الأعظم أهميّة و الذّي كان يفترض أنّ نقاشه هو الأولويّة القصوى:
ما هو الخطئ و السّبب من داخل الحركة نفسها الذّي مكّن بن علي فعليّا من هزيمة النّهضة و قصم ظهرها و نفيها من التّواجد على السّاحة العامّة. كلّ ذلك فعله بن علي رغم أفواج الأسرى و الشّهداء و مواكب التّضحيات إلى حدّ أن جيلي (أي ما كان يسمّى بجيل بن علي و المتراوحة سنّه بين ال18 و ال22) لم يكن يعرف حتّى بوجود الحركة أو كلمة النّهضة رأسا. و من أصابه بعض من علم فكانت كلمة """"""""""""""""''خوانجيّة" أقصى ما بلغه  وتناهى إليه. إلّا من رحم ربّي أو إبتلاه بهذه المعرفة في عهد بن علي حسب الحالات.
إنّ مكمن الوهن الذّي أدّى إلى هذا الإنهيار هو الجدير بالبحث في حقيقة الأمر. فلا يغرّن الإسلاميّين إستتباب الأمر لهم حينا وردهة من الزّمن. فقد إستتبت لغيرهم من قبل حتّى أغرتهم ببناء القصور كأنّهم فيها خالدون. ماذا لو عادت الدّكتاتوريّة في شكل إنقلاب أو إحتلال أو أيّ شكل من ألاعيب عاديات الزّمن القاهرات؟ ماذا جهّزت الحركة حتّى تكون من الصّلابة و القّوة بمكان حتّى لا يسهل على معتد تذويبها و نفيها كما حدث من قبل؟ إنّ المؤمن و الإنسان اللّبق لا يترك أسباب وهنه و ضعفه بدون تعهّد و عمل لمجرّد تغيّر خارج عن تأثيره و يمكن أن يكون ضرفيّا.
و حتّى لا أكون كالدّاعي للشّيء والتّارك له من بعد ذلك، فسأطرح أحد أهمّ هذه الأخطائ و رأسها حسب رأيي: إنّ إختيار الحركة بالإنغماس كلّية بالعمل السّياسيّ[2] و تغليب الصّفة الحزبيّة على الحركيّة و تغييب الرّافد الدّعوي و الإجتماعيّ هو من أبرز أسباب الضّعف الذّي مكّن بن علي ممّا توّصّل له في معركته مع الحركة. 

فل يكن مثالنا الإخوان المسلمين في مصر: و هم كننظرائهم التّونسيّين لا يعتمدون العنف وسيلة لنشر فكرتهم. و كان بالمرصاد لهم أنكى و أقوى من نظرائهم التّونسيّين ممثّلا في نظام عسكريّ معبّئ أيديولوجيّا و لكّنه لم يتمكّن من إزالتهم. لم يكن للنّظام المصري أن يتغلّب على الإخوان المسلمين لأنّهم كجماعة إنخرطوا في المجتمع و كانوا جزئا أساسيّا من نسيجه و لم يقصروا وجودهم و جهودهم على أمر السّياسة مهملين أمورا أخرى. بل كانوا كأيّ مستثمر لبق منوّعين لجهودهم في باقات مختلفة قادرة على جذب أطياف متباينة الإهتمامات و القدرات و متّفقة في الفهم التّطبيقيّ المعاصر للإسلام. هكذا، و بهذا التّنويع في النّشاطات ضمنت الجماعة بعض غوائل الدّهر و أمنت تقلّب جانبه فكانت جاهزة بعد الثّورة لإضافة جهاز سياسيّ، حزب الحريّة و العدالة، كمجرّد أداة أخرى في سبيل خدمة المشروع لا كمقيّد له أو محدّد لأفقه.
إنّ السّاحة التّونسيّة و صفوف الإسلاميّين الدّاعمين للنّهضة تعجّ بمؤمنين بالإسلام كدين قادر على تقويم الحياة و تصويبها. و لكّن قدراتهم و آمالهم و رغباتهم لا تتناسب مع العمل السّياسيّ بحدوده و ضوابطه المكبّلة. إنّ الحركة يجب أنّ تفكّر جديّا في طريقة لتصريف كلّ تلك المجهودات و القدرات بطريقة تخدم المشروع الإسلاميّ التقدميّ. أدعو الحركة إلى خلق جسم فوقيّ و منفصل ربّما يكون إسمه حركة النّهضة (بدون لفظ حزب) يكون حركة بامتياز و أكبر من الحزبيّة والسّياسة. أو إن وجدت قدرا أكبر من الشّجاعة و لا أضنّ ذلك عليها بعزيز، فلماذا لا تعود إلى الإسم الرّائع "حركة الإتّجاه الإسلامي"  و تكون حركة دعويّة خيريّة إجتماعيّة و تكون السّياسة مجرّد فرع للعمل الإسلاميّ.

Thursday, July 19, 2012

لا لوحشيّة الإنسان


خارطة بورما

ليس منّا من لم يغزو أو لم يحدّث نفسه بالغزو و أنا في هذه اللّحظة مجبر على أن أحدّث نفسي و أحدّثكم 
،قرّائي الأعزّاء، بالغزو. كيف لا و قد طالعت في صحيفة نيويورك تايمز مقالا للصّحفيّة مشاهدة سلطانة تذكر فيه ما يتعرّض له مسلمو الرّوهينغا في ميانمار (بورما) من قتل و تهجير و تعذيب. إنّه التّطهير العرقيّ في أبشع مظاهره فالآلاف من النّساء و الأطفال و الشّيوخ يحاولون الهروب إلى بنغلاديش فتطلق عليهم مروحيّات الدّولة الملتحقة حديثا "بنادي الديّمقراطيّة" الدولي نيرانها، فتقتل منهم و يموت النّاجون من فرط الجوع. يحدث كلّ هذا في ميانمار تحت أنزار السيّدة "أونغ سان سوتشي" و التّي تسلّمت جائزة نوبل للسّلام لعام 1991. و الجدي بالذّكر أنّها الآن عضوة بالبرلمان و لكنّها لا تزال تلتزم الصّمت حول المجازر المرتكبة ضدّ الرّوهينغا.
و هنا أريد أن أوجّه رسائل متعدّدة لعلّ أوّلها إلى ضمير الإنسانيّة الذّي ينبغي أن يفعّل ما توصّل إليه العقل البشريّ من المعاهدات الدوليّة المناهضة و المحرمّة لكلّ أشكار التّطهير العرقيّ و الحامية للمساوات بين البشر. فما يحدث في بورما يمسّ الإنسان في إنسانيّته التّي يجب أن يستبسل في الدّفاع عنها وتثبيتها.
أمّا الرّسالة الثّانية فهي موجّهة أساسا إلى أدعياء الدّيمقراطيّة و أنصار السّلام و خاصّة إبنة ميانما "أونغ سان سوشي" الحائزة على جائزة نوبل للسّلام. فأقول لها و لمن منحها هذه الجائزة أنّكم جميعا شركاء في ما يحدث للرّوهينغا في ميانمار من تطهير عرقيّ ما لم ترفعوا أصواتكم عالية و تحرّكوا كلّ دوائر القرار في العالم لإيقاف هذه الجريمة ضدّ الإنسانيّة و المستمرّة بميانمار كأبشع ما يمكن أن يقتفه الإنسان ضدّ أخيه الإنسان.
أمّا الرّسالة الثّالثة فهي موجّهة إلى الأمّة الإسلاميّة قاطبة فأقول لهم أن حدّثوا أنفسكم بالغزو و أكثروا من الدّعاء لإخوانكم في بورما فهم في أمسّ الحاجة لكم و لكلّ إخوانهم في جميع أنحاء العالم.

أمّا فطريّا فإنّي أحثّ الجميع على المستوى الشّعبيّ و الرسميّ على ممارسة الضّغط على دوائر القرار السّياسيّ إقليميّا و دوليّا لإنقاذ إخواننا في الإنسانيّة من  الروهينغا البورميّين. كما أدعو الجماهير في تونس إلى تنظيم تحرّكات لإبلاغ صرخة الإنسان العالية ضدّ التّطهير العرقيّ و هو أمر ليس على ثوّار تونس بعزيز. فلا نجاح لثورتنا في بعد من أبعادها بدون الإنحياز إلى خلاص هموم الإنسانيّة و مآسيها بدون شروط مسبقة.