هذا الجزأ الأخير، يتبع الجزأين المرفق رابطهما: http://www.a9wam.com/2013/07/1.html و http://www.a9wam.com/2013/07/2.html
هنا نلج صئدد البحث: الخطوت التّالية بعد فشل إصلاح الدّولة (الإدارة) التّونسيّة؟
الأجدر بنا الإقرار بمواطن الضّعف في المسار الثّوريّ و حدوده (راجع مقال تعثّر المسار الثّوري لماذا؟). و بما أنّه لا يمكننا إصلاح الدّولة إدارة و أمنا واقتصادا و قضاءا... بالطّرق التّقليديّة فعلينا إعتماد "منهج الثّورة التجاوزيّة". و لبّه هو إيجاد طرق لتحسين الخدمات و "إصلاح الدّولة" بدون الإعتماد أساسا على إدارة بن علي و تركها جانبا ليهجرها النّاس من تلقاء أنفسهم و ينخرها فسادها ذاتيّا. أضرب في ذلك أمثلة:
-في قطاع التّربية و التّعليم:
يتمّ بعث هيأة وطنيّة تشرف على تقديم الإمتحانات و نشر برنامج الدّروس مفصّلا، من خارج وزارة التّربية. و يكون من حقّ كلّ مواطن إجتاز إمتحانا رئيسيّا لمرحلة ما (السّادسة أو التّاسعة أو الباكلوريا) أن يتقدّم متى شاء لتأدية الإمتحان اللّاحق. و تعرض الإمتحانات دوريّا على مدار العام و للمترشّح تحصيل المعارف اللّازمة كيفما يشاء. هكذا يصبح للبنّاء و القهواجي الحقّ في الدرّاسة في وقته الخاصّ و خوض غمار الإمتحان بعد التّسجيل به. و هكذا يمكن للتّلميذ النّجيب أن لا يضيّع وقته في أقسام المضربين و المعذّبين و النّاهرين و المتحرّشين باللمتعلّمين. بل له أن يذهب إلى المكتبة العموميّة أو مؤسّسة حيّه الأهليّة لتحصيل الدّرس و إختصار مدّة ال13 سنة دراسة إلى ما يسمح له به وقته و جهده. و ذلك مع المحافظة على المدارس العموميّة لمن أراد التّسجيل بها والإلتزام بمنهجها و مقرّراتها.
هكذا نكون حقّا وضعنا لبنة في صرح تعليم مرن و عصريّ بدون الخضوع إلى إبتزاز من شابوا على الجشع و الدّروس الخصوصيّة و الفساد الإداريّ.
-في قطاع الأمن:
يبعث جهاز أمنيّ جديد صلب وزارة الدّاخليّة جلّ أفراده من الشّبيبة الذّين إنظمّوا للأمن بعد الثّوة و نحن ضامنون لولائهم و على الأقلّ نستطيع تدريبهم كصفحة بيضاء على إحترام حقوق النّاس و رفض الرّشوة و تطبيق القانون بدون الرّجوع إلى الإرادة السياسيّة المرتعشة. و لمن أراد أن يتعمّق في هذا المقترح و مبرّراته و مزاياه أن يطالع المقال المسهب في ذلك: "حتّى لا تقتلنا الردّة"[4].
-في قطاع القضاء:
إقرار مبدأ التّحكيم قانونيّا بحيث يمكن لكلّ طرفي نزاع متّفقين أن يحكّما مواطنا بالغا و ذي عقل(و شروط تضبط بعد تباحث الخبراء بالطّبع) فيما إختصما فيه. و بهذه الطّريقة يمكن إيجاد مجال و منح حقّ الإختيار للمتديّنين مثلا لأنّ يحلّوا نزاعاتهم أمام قاض شرعيّ ممّا ينزع الحجّة عن التيّارات المكفّرة للدّولة أو المجتمع (فلا يمكن لأحد أن يدّعي "عدم تطبيق الشّريعة"_حسب فهم التيّارات الدّيماغوجيّة_ حين تكون متاحة و يرفضها المتخاصمون). كما أنّها تمثّل فرصة للإلتفاف على قضاء بن علي و إدارته و إجراءاته الفاسدة و المعقّدة و تدخل ضعاف الحال إقتصاديّا تحت جبّة العدالة. فكلّنا يعلم أنّ الإجراءات و التّعقيدات و الفساد بالقضاء التّونسيّ، الممسوخ عن النّظّم الفرنسيّة، يحرم "الزّوالي" من حقّه بالعدالة عمليّا لطول المهل و تضخّم مصاريف التّقاضي.
عموما، وجود قضاء مواز شرعيّ يتكفّل إختياريّا ببعض قضايا الشّؤون المدنيّة سيمكّن من تخفيف الضّغط داخل أروقة القضاء و السّماح بتخصيص وقت أكبل للإصلاح الإداريّ و لمتابعة حلّ التجمّع (أي حلّ كلّ الأحزاب المتفرّخة عنه).
و لمن يشاء أن يتعمّق في هذه الفكرة أن يطّلع على مقال: "إصلاح القضاء، المزاوجة بين الشرعيّ و المدنيّ (المثال البريطاني)"[5].
-القضاء على فساد الإدارة و ترهّلها و غياب العمل الجاد:
أمّا الفساد عموما فلتونس أن تطبّق قانونا صارما للشفّافيّة و حقّ كلّ مواطن في النّفاذ إلى المعلومة (مقال حول إقار الشّفافيّة دستوريّا[6]) . و الأمر ليس بالصّعب حيث يمكن للدّولة البناء على القانون رقم 41 المؤرّخ في ماي لسنة 2011 و الذّي وقّعه المبزّع في غفلة من الزّمن و لكّنه قانون يمنح المواطنين حقّ النّفاذ و المراقبة و يعتبر ساريا المفعول (و ندعوا في هذا الإطار القانونيّن إلى المطالبة بفتح أرشيف الدّكتاتوريّة بناءا عليه). و الشّفافيّة مقترنة بالسّرعة القضائيّة، ستمكّن من إصلاح بتّار و سريع نسبيّا و محاسبة الفاسدين.
أمّا فيما يخصّ الترهّل و "الفصعة" و غياب الجديّة و العمل في الإدارة التّونسيّة، فلا مناص من إقرار قوانين ردعيّة للمراقبة، تعتبر التأخّر المتكرّر و التغيّب عن العمل و المماطلة مساوية للسّرقة. كما يجب تغيير مفهوم الخدمة العموميّة و إلغاء مفهوم "التّرسيم" و التحوّل نحو نظام منطقيّ و عادل بحيث كلّ من لا يريد أن يعمل و يرتكب التّجاوزات مهدّد بالطّرد و من يثابر و يتطوّر مدعوم بتسهيل القوانين المنظّمة للتّرقيات و التخلّي عن الأقدميّة كمعيار و اعتماد للكفاءة فقط. و للمزيد من الإضاءات حول هذا الموضوع أقترح عليكم مقالا بعنوان "إجتثاث الفصعة من تونس[7]".
-الإقتصاد عموما و المناخ الإستثماريّ خصوصا (فسح المجال أمام الصّعود الإقتصادي الممكن نظريّا و لكن مستحيل تطبيقيّا):
فيجب على الدّولة (وقيادة العمليّة السّياسية) الإقرار بفشلها الذّريع في وضع اليد على القطاعات الأكثر حيويّة. فالموانئ و الدّيوانة و النّقل الجويّ و الإدارات المنظّمة للإستثمار الدّاخليّ و الأجنبيّ ما فتأت تثبت كونها بؤرة مستعرة للردّة عن الثّورة و الفساد و السّرقة العينيّة و الماليّة و عدم الكفاءة. كيف لا و الإدارة الإقتصاديّة و القوانين الرّاجع لها بالنّظر قد فصّلت تفصيلا متأنيّا لترك ثغرات أو هي خروقات كبيرة تسمح بالإحتكار و بكبح النموّ إلّا إن كانت جلّ القيمة المضافة تصبّ في صالح نخب ماليّة فاسدة (مثال: قوانين إستيراد السّيارات ترفع من كلفتها فقط لابتزاز النّاس لدى شركات توزيع إحتكاريّة.
جسامة الإجراءات الإداريّة و البيروقراطيّة التّي يكتوي بها الباعثون سواء للمؤسّسات الصّغرى أو المستثمرون اللأجانب تعني منطقيّا وجود إرادة فعليّة لفسح المجال، في غياهب المكاتب و الإدارات للمرتشين و الفاسدين مع تعطيل سرعة الإنجاز و إحداث مواطن الشّغل).
بعد الإقرار بهذا الفشل في إصلاح ما لا يصلح لتشعّب شبكات النّفوذ و ضخامة البنيان المصلحيّ الفاسد، يجب على الدّولة العمل على تحييد كلّ هذه الإدارات. يمكن لذلك أن يتمّ بجرّة قلم لدى المجلس التّشريعي: بإقرار قوانين منظّمة للإقتصاد و الإستثمار تحرّر التّوريد و التّصدير و الإستثمار. يجزع الكثيرون من راديكاليّة هذا الطّرح و لكن، لا يوجد دافع منطقيّ لذلك. فلا تملك تونس أصلا صناعات مهمّة يجب حمايتها كما أنّ قوانين العمل و الإستثمار الدّاخليّة الموجودة كفيلة بتنظيم القطاع (أي، نظام ضريبيّ موحّد و قواعد بيئيّة و تنظيميّة واحدة و لكلّ من يحترمها حقّ إنشاء إستثماره بتونس).
أمّا المنافع فتتمثّل في الفعاليّة و إضفاء الدّيناميكيّة على الإقتصاد و فتح المجال أمام المستثمرين لبناء إقتصاد متمرّس على المنافسة العالميّة منذ نعومة أظفاره فيكون بالتّالي صلبا و قابلا للتطوّر بسرعة بما يسمح له التّأقلم مع المتغيّرات الدوليّة.
هكذا مقترح يجب أن يتزامن مع تحيين متأنّ و صارم للنّظام الضّريبيّ بحيث يضبط بنسبة ضريبيّة سنويّة موحّدة واضحة و بدون إمتيازات و لا تعقيدات حتّى يسهل التّحصيل الضريبيّ و يتوضّح المناخ الإستثماريّ و تزداد الشفافيّة و القدرة على التّخطيط الإقتصاديّ المستقبليّ للخواص و الدّولة. كما يجب أن تحيّن قوانين العمل بحيث تصبح الدّولة نقيبة العمّال و الضّامنة لحقوقهم و الممثّلة لهم بدون الحاجة إلى وسائط نقابيّة موروثة عن الدّكتاتوريّة التّي سيصبح دورها، عندما تبنى الثّقة التّامة في الدّولة كضامن لحقوق طبقتها الشّغيلة، إختياريّا و زيادة في الضّمانات لا أساسا أو كابحا لعجلة الإنتاج عبر القانون الغريب الحاليّ الذّي يمنحها، أي النّقابات، قدرات ماليّة ضخمة عبر الخصم المباشر من أجور المفقّرين المضطرّين (كما يجدر التّنويه هنا بوجود تساؤلات ضخمة حول إستعمالات الأموال التّي تخصم من أجور العمّال و تسلّم للنّقابة، فهي في غالبها لا تصل إلى أيدي النّقابات الأساسيّة لتموّل نشاطها الذّي دفعت أساسا من أجله لا من أجل تمويل فساد بيروقراطيّ و إمتيازات و رفاهيّات كالسّواق و السيارات الفاخرة التّي لا تمتّ لمقاصد العمل النّقابيّ البتة).
جسامة الإجراءات الإداريّة و البيروقراطيّة التّي يكتوي بها الباعثون سواء للمؤسّسات الصّغرى أو المستثمرون اللأجانب تعني منطقيّا وجود إرادة فعليّة لفسح المجال، في غياهب المكاتب و الإدارات للمرتشين و الفاسدين مع تعطيل سرعة الإنجاز و إحداث مواطن الشّغل).
بعد الإقرار بهذا الفشل في إصلاح ما لا يصلح لتشعّب شبكات النّفوذ و ضخامة البنيان المصلحيّ الفاسد، يجب على الدّولة العمل على تحييد كلّ هذه الإدارات. يمكن لذلك أن يتمّ بجرّة قلم لدى المجلس التّشريعي: بإقرار قوانين منظّمة للإقتصاد و الإستثمار تحرّر التّوريد و التّصدير و الإستثمار. يجزع الكثيرون من راديكاليّة هذا الطّرح و لكن، لا يوجد دافع منطقيّ لذلك. فلا تملك تونس أصلا صناعات مهمّة يجب حمايتها كما أنّ قوانين العمل و الإستثمار الدّاخليّة الموجودة كفيلة بتنظيم القطاع (أي، نظام ضريبيّ موحّد و قواعد بيئيّة و تنظيميّة واحدة و لكلّ من يحترمها حقّ إنشاء إستثماره بتونس).
أمّا المنافع فتتمثّل في الفعاليّة و إضفاء الدّيناميكيّة على الإقتصاد و فتح المجال أمام المستثمرين لبناء إقتصاد متمرّس على المنافسة العالميّة منذ نعومة أظفاره فيكون بالتّالي صلبا و قابلا للتطوّر بسرعة بما يسمح له التّأقلم مع المتغيّرات الدوليّة.
هكذا مقترح يجب أن يتزامن مع تحيين متأنّ و صارم للنّظام الضّريبيّ بحيث يضبط بنسبة ضريبيّة سنويّة موحّدة واضحة و بدون إمتيازات و لا تعقيدات حتّى يسهل التّحصيل الضريبيّ و يتوضّح المناخ الإستثماريّ و تزداد الشفافيّة و القدرة على التّخطيط الإقتصاديّ المستقبليّ للخواص و الدّولة. كما يجب أن تحيّن قوانين العمل بحيث تصبح الدّولة نقيبة العمّال و الضّامنة لحقوقهم و الممثّلة لهم بدون الحاجة إلى وسائط نقابيّة موروثة عن الدّكتاتوريّة التّي سيصبح دورها، عندما تبنى الثّقة التّامة في الدّولة كضامن لحقوق طبقتها الشّغيلة، إختياريّا و زيادة في الضّمانات لا أساسا أو كابحا لعجلة الإنتاج عبر القانون الغريب الحاليّ الذّي يمنحها، أي النّقابات، قدرات ماليّة ضخمة عبر الخصم المباشر من أجور المفقّرين المضطرّين (كما يجدر التّنويه هنا بوجود تساؤلات ضخمة حول إستعمالات الأموال التّي تخصم من أجور العمّال و تسلّم للنّقابة، فهي في غالبها لا تصل إلى أيدي النّقابات الأساسيّة لتموّل نشاطها الذّي دفعت أساسا من أجله لا من أجل تمويل فساد بيروقراطيّ و إمتيازات و رفاهيّات كالسّواق و السيارات الفاخرة التّي لا تمتّ لمقاصد العمل النّقابيّ البتة).
أمّا عن السّندات السياديّة فحدّث. إنّه العار و الخزي أن لا تعتمد أيّ طريقة جديدة و خلّاقة في تمويل خزينة الدّولة و ميزانيّة الإستثمار منذ إنخابات 23 أكتوبر. إنّ إصدار سندات دولة كذلك من الأمور التّي لا يتعدّى إعتمادها سوى خطّة قلم تشريعيّة. فقانون للسّندات يمكن أن يضمن حدودا للملكيّة لكلّ مواطن (حتّى لا يقع تملّك السّندات من طرف قلّة) كما يجب أن لا تصدر السّندات إلّا لتمويل مشاريع إستثماريّة قابلة للقياس و يقتسم مشتروا السّندات عوائدها كما خسائرها في كنف الشّفافيّة. من شأن هكذا سندات أن تخلق حسّا بالملكيّة و المصير المشترك و الحرص المتأنّي على حسن صيرورة الإستثمارات الوطنيّة و السّهر و المراقبة الشّديدة لضمان تلافي التّبذير و الفساد. في المحصّلة، ستصبح مصابيح الإنارة العموميّة التّي تكسر غيّا و بهتانا إنتقاصا مباشرا من مال النّاس مباشرة. كما يمكن إعتماد سندات مبتكرة فأقترح مثلا منح كلّ مولود سندات منذ مولده تتراكم عوائدها و لا يمكن له تداولها إلّى بعد بلوغ سنّ معيّنة.
أستسمح القرّاء على طول مقالي هذا و أشكر لهم صبرهم. و أريده لبنة في صرح إعادة بناء الشّعور الجيّاش بالأمل الذّي إجتاحنا أثناء الثّورة. نعم، سنكذّب إعلام العار و المثبّطين و بقايا التجمعيّين. تونس لن "تدخل في حيط" و سيتغيّر "كلّ شيء" و سنخطوا يوما ما بجديّة و إصرار بين جحافل الأمم المتسارعة حاثّين الخطى نحو واقع و بلاد يطيب فيها العيش. إنّ التمشيّ البغيض الذّي سارت فيه العمليّة السياسيّة ،ممثّلة في قيادتها، من مهادنة و محابات للفاسدين بل و إعادة توليتهم أمرنا، أمر يدعو إلى الإحباط و لكنّ لا مناص لنا من الأمل بأنّ مناخ الحريّة ربّما يتمخّض عن مناخ فعل عمليّ و إرادة لتجاوز إرث دولة ال50 و يزيد تخلّفا، و إلقائه جانبا رأسا للإنصراف إلى رحاب التّاريخ. أهيب بالقرّاء و النّقاد تناول و نشر هذه الأفكار من باب الخروج بعقولنا من صندوق النمطيّة الحاليّة إلى البحث عن حلول إستنباطيّة ثوريّة مبدعة لخلق واقع جديد و كسر حلقة البطئ و التّناكف السّياسي السفسطائي الهدّام.