يطول حديثنا و نضيع بين ثنايا الأيديولوجيا و غياهب السّفسطة إن نحن إقتحمنا موضوع "تعريف الثّورة". و للقارئ ان يطّلع علي محاولتيّ المحتشمتين لبدأ البحث في ذلك بجديّة في مقالي "المعزق في ثوة تونس"[1] و "لماذا تعثّر المسار الثّوري؟"[2]. و لكنّ ولوج موضوع "أين وصل المسار" ربّما يكون أجدى و أسهل نسبيّا.
رغم تشعّب الطّرق و تشتّت الكلمة و تكاثر الأحزاب و الجمعيّات في تخمة تضرب العمليّة التّأسيسيّة و السّياسيّة في مقتل، إلّا أن النّهج التّأسيسيّ يترافق بوضوح مع إرادة سياسيّة وطنيّة معلنة للإصلاح. و "الإصلاح" في غالب تجليّاته إلى حدّ الآن خطّ متباين مع خطّ "الثّورة" و إن تقاطاعا أحيانا. فالأحزاب التّي تنادي بإحياء النّهج الثّوري (حركة وفاء مثالا) تبقى هامشيّة و خاج المعادلة السّياسيّة. كما أنّ شعار الثّورة تحوّل إلى رافعة سياسيّة (رؤوف العيادي مثلا تمكّن من الخروج من جبّة المرزوقي و المؤتمر ليصبح الرّقم1 في تشكيل سياسيّ يستند أساسا على روابط حماية الثّورة بالعضويّة و على "صفحات الثّورة" إعلاميّا). أمّا تنزّل خطابها الثّوريّ فمنعدم لأنّها رغم كلّ ذلك لاشعبيّة و تحمل الخطاب دون الوسيلة (الجماهريّة) و تعلم ذلك. و لا غرو في ذلك، مقارنة بالأحزاب التّي وصل بها الأمر إلى إستغلال التّجمّع و البورقيبيّة بنفس الطّريقة، أي كرافعة سياسيّة.
أمّا حركة النّهضة (وإلى درجة ما الحكومة) فهي لبّا و قالبا حركة إصلاحيّة، تؤمن أساسا بأنّ مناخ حريّة التنظّم سيسمح للمجتمع بالإرتقاء و تبنّي الفكرة الإسلاميّة تلقائيّا. و هي لم تشذّ على هذا المنوال في تعاملها مع الوضع الثّوري بتونس من حيث تخييرها المهادنة و اللّين و البراغماتيّة في التّعاطي و إدارة دولة النصف قرن و يزيد من الفساد السّرطانيّ. و رغم كون هذه الفكرة "إخوانيّة" بامتياز إلّا أنّه يجدر التّنويه بأنّ إخوان مصر و الأردن و سوريا (أعان اللّه ثوّارها الأبرار) طوّعوا هذه الفكرة و نسّبوها إلى واقع يحتاج على الأقل إلى تكتيك غير-إعتياديّ ثوريّ (طالع في هذا الإطار "النّهضة و التحوّل الثوري للإخوان دوليّا"[3]).
و هنا لا مناص من التّساؤل:"ماهو نتاج العمليّة السياسيّة الإصلاحيّة التّى تقودها حركة النّهضة؟". أمّا الإعلام الوطنيّ فعلى حاله التجمعيّ. أفيعقل أن لا تحيل مؤسّسة التّلفزة مثلا، 200 صحفيّ على الأقلّ، بتهمة الخيانة العظمى من تلقاء نفسها و تعتذر و تطوّر آداءها كتلفزة تونس الثّورة؟ أمنيّا، يحاصر المواطن التّونسيّ ببقاء المجرمين و بتفشّ النّقابات في قطاع الأصل فيه أن يكون نقابة نفسه. ممّا يولّد ضبابيّة عند دافعي الضرّائب الذّين من المفترض أنّهم يتحصّلون بموجب أموالهم على خدمة أمنيّة يسائلون عليها وزيرا للدّاخليّة. فكيف بنا و الأمنيّون (أي الجدار الدّفاعيّ الأمنيّ الأخير و الأكبر) يتظاهرون و يهدّدون بالإضراب؟ أنسائل كمواطنين نقابات الأمن أم رؤساءهم أم من، باللّه عليكم؟ينسحب هذا تعليميّا و خدماتيّا و قضائيّا حيث لا تحكم الحكومة حقيقة و لا تزال نخب بن على مسيطرة و لم تتمكّن الثّورة من إصلاح الإدارة.
أقولها رغم مرارتها: فشل الإصلاح. و لو لم يكن الجشع و شهوة التأمّر المفرطة متفشّيا في جسد الرّجعيّين من الثّورة المضادّة (النّزاعات بين التّحالفات التجمعيّة مثالا) كما هو مستشر بالنّخب "الحاكمة" لتمكّنت من الإنقلاب بكلّ يسر.
يتبع في الجزء الثّاني.
محمّد فراس العرفاوي.
___________________________________________________________
No comments:
Post a Comment