سلام و مرحبا


أقوم المسالك، مدوّنتكم لما وراء الأخبار السّياسيّة و كلّ ما يهمّ الشّأن العام.
Showing posts with label البوليس الثّوري. Show all posts
Showing posts with label البوليس الثّوري. Show all posts

Wednesday, July 18, 2012

مهرجان بنزرت2012:فشل ذريع متواصل

جانب من الجمهور في حفل مرسال خليفة

أريد بادئ الأمر أن أصارح القارئ بأنّي كنت قد عقدت آمالا حقيقيّة على مهرجان بنزرت الدّولي في دورة 2012. كنت أعتقد، بسذاجة، أنّ الثّورة و قد أصابت بعضا من النّضج ستصل إلى أحد أمّهات العروض الثّقافيّة إن لم نقل أهمّها بمدينة على مدار العام. و لكن أجد نفسي، و كلّ أفراد عائلتي، مضطرّين للتّسليم بالأمر الواقع أنّه لا خير يرجى من مهرجان بنزرت و أنّه لا مناص من مقاطعته. و لكنّ الأمر بالنّسبة لي من الأهميّة أنه يستوجب تبيان أسباب هذا الموقف و عرض أوجه الفشل و مظاهر الخذلان لعلّ ذلك يضغط على إدارة المهرجان و يكون سببا في إنقاذ ما يمكن إنقاذه. كما أريد من خلال هذا العرض تبيان الحقّ الشّرعيّ لهذا الشّعب في مهرجان يليق بتطلّعاته و يستجيب للإستحقاق الثّوريّ الثّقافيّ.
 حفل الإفتتاح: "تمييل الحزام"
أمّا عن الإسم البّراق ، بالي روسي للرّقص الحرّ، فحدّث. و أمّا عن "تمييل الحزام" فصرنا نوّرده من أقاصي الأرض و أبعد أركانها. في الحقيقة كان العرض صبيانيّا بامتياز و بدت الفرقة كمجموعة مدرسيّة و ذكّرتني بحفلات الرّوضة وليعذر لي القارئ قسوتي و لكن من شاهد العرض ربّما يراني أبلغ في اللّطافة المبالغ في تقييمي. أمّا الجزء الأكثر "إثارة" للجمهور فكان فقرات الرّقص الشّرقي التّى تولّته حسناوات روسيّات تمايلن على ركح الحصن الإسباني ببنزرت فأطربن "الشّباب المثقّف" إطرابا. أمّا الأثر الأبلغ فكان إحمرار وجوه الآباء و الأمّهات و مغادرة العائلات. و إن كنت و لا أزال أشرس المدافعين عن أحقيّة الجمهور في إختيار المادّة المشاهدة، و إن أقررت على مضض بأنّ فقرات الرّقص الشّرقيّ لاقت إستحسان أغلب الشّباب الحاضر، إلّا أنّها لا تليق بحفل الإفتتاح و المفترض فيه هو توجّهه إلى كافّة أصناف و طبقات المجتمع و ملاءمته لذوق العائلات. إنّ إختيارات إدارة المهرجان بالنّسبة لحفل الإفتتاح تنمّ عن ذوق سمج و قلّة إحترام موغلة في الإستفزازيّة و أقلّه لا حرفيّة شديدة.  
 أسعار التّذاكر: نيّة مبيّتة للإحتكار
أمّا عن أسعار التّذاكر، 15 دينارا للمقعد العاديّ لحفلة مرسال مثالا، فحدّث. سادتي منظّمي المهرجان، أبلّغكم إن كنتم نسيتم، أنّنا في دولة ثورة شعبيّة و أنّ عهد إحتكاركم (إتّجاه سياسيّ معروف تعاون مع السّلطة) لما تسمّونه الثّقافة قد ولّى. إنّنا لسنى في سويسرا و لا يعقل أن يكون ثمن التّذكرة بذلك الإرتفاع حتّى و إن كان المنشد المتنبّي نفسه. إنّ الثّقافة إن كان ذلك سعرها ليست بمتناولنا بحال من الحوال لنا،  أي التّونسيّين، فلا يمكنم إستعمال منشآت عموميّة على ملك هذا الشّعب و من ثمّ إقصاؤه منها.  
التّنظيم: "عرس فق السّطح
أمّا عن الإرتباك، تذمّر مارسال من أنظمة الصّوت مثالا، فحدّث. بداية أشير إلى سوء خلق المشرفين على إدخال المشاهدين و رفضهم "المبدئيّ" للتحيّة. و لم توفّر الإدارة مكانا للدّراجات النّايّة و من ثمّ رفضت إدخالها إلى البطحاء الدّاخليّة و لا هي خلّت بينهم و بين المأوى المغلق السّفليّ. و لسان حال المشرفين "اللّي عندو موتور يشرب ماء البحر". و قد تعلّل عضو بالإدارة، تولّى إخفاء هويّته (وضع البادج بجيبه) أنّ هنالك قانونا يمنع أصحاب الدّراجات "حتّى لا يضع أحدهم النّار بالدرّاجة و يلقيها على رؤوس المشاهدين" و قد سألته عن أيّ وثيقة تحتوي هذا القانون الطّريف فتولّى حينها إبعادي. و هنا أشكر موقف بوليس شريف تفهّم الأمر و ساعدني فأدخل الدرّاجة أمام أنضار البّوابين الذّليلة و أسال اللّه أن يسخّر له أحدهم يعينه يوم لا "تستمع له الإدارة و تعالي أصوات جزئ "سكران" من الجمهور بهتافات "الدّيقاج" و السّباب النابيّ في مشهد مؤلم من غياب الحضاريّة و الوعي. كما نشير للفشل الذّريع في ما يتعلّق بحفل الفرقة الإسبانيّة "باللّاهوجا" و التّي لم تتمكّن من الغناء لغياب التّنظيم و تراخي التّحضير و بلغنا أنّها  ربّما تعتزم متابعة الإدارة قضائيّا لعدم وفائها بتعهّداتها حسب العقد الموقّع.
 كذلك أسجّل الإنسحاب الأمنيّ خلال حفلة بنديرمان و العراك الذّي نشب و هنا ألوم وزارة الدّاخليّة أنّها لم تطهّر نفسها كما يرام لها ثوريّا حتّى يمكن للتّونسيّ أن ينعم ببوليس حرفيّ سواء سبّ احدهم البوليس بأغانيه أو لم يفعل.
إختيار الفنّانين: لا ثوريّ بامتياز
أمّا عن الفنّانين و المحتوى الفنيّ فكأنّنا به يتمّ بالتّشاور مع بن علي. نفس الفنّانين البارزين في العهد الدّيكتاتوريّة أغلبهم حاضرون بمهرجان بنزرت بل هم نجومه. أين فنّانوا الثّورة؟ أين هو الرّاب الهادف و الثوريّ؟ إنّ الإنبتات الحضايّ لبعض المنظّمين إنعكس على خياراتهم فكانت الأولويّة "للزّطلة" و الكوميديا السّخيفة السّاذجة. أين لطفي دوبل كانون و الجنرال و بسيكوآم وغيرهم الكثير. شئتم أم أبيتم فإنّ الرّاب الهادف في صعود في تونس و هو من أبرز نتائج الثّورة على المستوى الفنيّ. فلماذا الإقصاء و فرض إنبتاتكم فرضا على هذا الشّعب؟  
 في المحصّلة: جمهور ضئيل مرشّح للتّضائل
إنّه الإحباط حقّا أن يرى الفرد أنّ عديد الحضور لا يتجاوز رقما ضئيلا صغيرا. و الملام هنا ليس الجمهور أو "حسّه الفنيّ" و إنّما هو سلوك الإدارة المثير للإشمئزاز الذّي ذكرنا آنفا بعض وجوهه و لا تسع ورقتنا و لا علمنا ما خفي منه. و المثير للإهتمام هو إختيار المدير و طاقم الإدارة المحيط به وهو من دأبنا على رؤيته قبل الثّورة دائما في كلّ المحافل في عهد بن علي. و يضيفون على ذلك برهن مرارا من خلال تقديمه أو تصريحاته الصّحفيّة على فرنكفونيّته المفرطة و بعده عن حقيقة الوعي الثّقافيّ لشعبنا. ألوم هنا  وزارة الثّقافة على عدم تقديمها للبديل المناسب و الثّوريّ و مواصلة ثقتها في الوجوه القديمة.إلى متى لا تكون لنا ساحة فنيّة تخاطب عقوقنا و ثقافتنا؟ أدعو متساكني بنزرت إلى مقاطعة مهرجان الردّة.لا تطبيع مع من لا يحترمون عقولنا أو حسّنا الفنيّ.  

Sunday, June 24, 2012

حتّى لا تقتلنا الردّة



بقلم محمّد فراس العرفاوي،
عشت لمدّة وجيزة، في ذهول و تعجّب شديدين من التّطوّرات الأخيرة في تونس. و أعتقد أنّ عددا كبيرا من مواطنيّ كذلك كانوا أو هم أشدّ ذهولا منّي. فقد مرّ علينا يومان غريبان عجيبان: تسرّب الباك على الفايسبوك و صار مشاعا،كاد بل قل أصبح معرض العبدليّة (أو الصّور التّي تقول نقابة التّشكيليّن أنّها إفتراء عليهم) مذبحة للمقدّسات الإسلاميّة القريبة إلى حدّ التماهي و التّمازج مع وجداننا و هويّتنا الجماعيّة ثمّ خرجت الحشود نصرة للرّسول جهادا بالكلمة، أي بمسيرات سلميّة، و أخرى قاطعة للطّرق و الأرزاق، ثمّ رأينا و سمعنا عن بوليس يحرق “نصبة” و سلفيّ يقتل و رجل يضرب… و كأنّ هذان اليومان دهر أنجبا من الأحداث العظام ما لا يحتمله المساير للنّسق العام قبلهما بلحظة.
كنت أردت أن أنزّل كلّ تلك العواطف الجيّاشة ورقتي و لكّني لم أعرف ماذا أقول. أمّا الآن، و ظاهر الأمر أنّ “الفتنة” أدبرت أو هي تكاد و قد بدأت الغيوم تنقشع و سكنت الجهالة، فإنّ تنزيل الوقائع في إطارها العامّ أي إطارها الثّوريّ و تشخيص خطئ القوى المحسوبة على الثّورة، أي نحن، و من ثمّ تقديم البديل المتصوّر هو الأمر المناسب و المستعجل. في ما يلي سأحاول، و التّوفيق على الله، بسط أمّهات الأخطاء المعطّلة للمسار الثّوري ثمّ سأتقدّم بمقترح أرى أنّه كفيل بإحداث نقلة نوعيّة و لا أرى الأمر يستقيم إلّا به أو ما شابهه:
إنّ معطّلات التقدّم الثوريّ التونسيّ يمكن أن تنزّل في ثلاث أبواب كبرى: الأوّل يتعلّق بالمستوى المتدنّي للتنظّم الجماهيري الثّوري إبّان الثّورة. فالجماهير إستكانت مبكّرا و غادرت مواقع الثّوة و ثغورها فور بلوغ خبر هروب بن علي. مكّنت هذه الإستكانة من الإنحراف بالفعل الجماهيري نحو الإستقطاب الثّنائي الإسلامو-علماني.
أمّا الباب الثّاني فهو التوقّف عن التّطهير الشّعبي للمؤسّسات الذّي إتّخذ شكل الدّيقاج و الذّي تمّ تسويفه و استغلال قصر نفسه ذّاتيّ.
أمّا الباب الأخير فهو طابع الحكومة المنتخبة و خصوصا حركة النّهضة في إدارة الشّأن الثّوري و أسلوب الإصلاح النّاعم. يقول المناصرون أنّه توخّ للحذر و الحيطة بينما يراه آخرون براغماتيّة زائدة ولكنّ الثّابت هو أنّ النّهج العامّ يوحي بمسار إصلاحيّ أساسا و ليس ثوريّا بالمعنى المتعارف.
و إنّ هذه النّواقص هي في قلب الإضطرابات التّي تشهدها البلاد من فينة إلى أخرى (و منها الإضطرابات الأخيرة) إمّا بصفة مباشرة أو غير مباشرة. فأعداء الثّورة، و هم المتنفّذون و أصحاب الأموال و رجال الأمن المستفيدون من منوال الدّولة البوليسيّة لم يختفوا و لم توجّه لهم ضربات كافية لتقصم قدرتهم على العبث. أفيصّدق عاقل أنّ من كان يعذّب النّاس في أقبية الدّاخليّة و من كان يتقاضى أجره ثروات طائلة على فساده و من كان يسنتجد به النّاس و يوقّرونه من معتمدين و إداريّين و غيرهم كثير، يكفّون أيديهم عن البلاد و العباد لمجرّد أن فلان أو علّان منهجه “تصالحي”؟لا، بل هم يأسفون و يخافون على مصالحهم أن تهدّد و سيعملون على إفشال كلّ توجّه نحو الحريّة و العدالة و الكرامة: هم قوى الردّة سيعملون على إفشال الثّورة. فكيف لنا أن نجبر مواطن الضّعف في ثورتنا و أن نسدّ عليهم منافذ الإفساد و الفتنة؟ هنا يجب أن يتركّز جهدنا و أن تكون أولويّتنا، للأنّنا لو تركناها (و هو الحاصل نوعا ما الآن) فلن يتركوننا و شأننا و كلّنا رأينا قدرتهم على إفساد كلّ الخطوات الإيجابيّة باختلاق الفتن و إرجاع عقارب النموّ إلى الوراء إن تقدّمت.
إنّ أداة الثّورات الأولى و اللّازمة و المستعجلة هي جهازها التّنفيذيّ الذّي يمكّنها من إنزال برامجها أرض الواقع. أعني بذلك جهازا أمنيّا ثوريّا جديدا. فالوزراء و النّواب حتّى و إن أفرزتهم الصّناديق و الإرادة الشعبية لا يسعهم أن يطبّقوا قراراتهم بأيديهم، بل هم الموظّفون و البوليس خصوصا يفعلون. فكيف بنا أن نترك هذا الجهاز الحيوي على شكل يشبه شكله الدّيكتاتوريّ بتجميلات و تحويرات ثمّ نتصوّر أنّ الأمن متحقّق للثّورة؟ ليس إعفاء أو سجن ضابطين أو حتّى مئتا ضابط بكفيل بجعل الجهاز اللأوّل في نظام بن علي جهازا يؤتمن جانبه على تحقيق إصلاح فساد كان هو أوّل الضّالعين به و حاشى الأمناء على شعبهم من الأمنيّين.
الحلّ إذا هو المواصلة في النّهج الإصلاحيّ مع إنشاء جهاز أمن جديد خاص بالثّورة. جهاز يكون بعض أعضائه من أكفئ أكفّاء نخبة البوليس العادي المؤتمن جانبهم، وسواده الأعضم من الشّباب المنضمّين حديثا إلى أسلاك الأمن المختلفة و اللذّين لم تكن للآلة الفساد عليهم صولة بعد. هذه التّركيبة و المهمّة المنوطة بهم ستمكّن، داخل سلك الأمن نفسه، من تغيير سلس و لكنّه حاسم. فبعد تجهيزه تجهيزا كاملا، يتواصل تطعيمه بالعناصر و إسناد المهامّ إليه تدريجيّا (كالتدخّل مثلا و غيرها). شيئا فشيئا سنتمكّن من عزل الأجهزة الفاسدة التّي ستجد نفسها بعيدة عن المواقع الحسّاسة و يمكن وقتها فقط محاسبة الفاسدين و الحديث عن أمن ضامن للحريّة و الثّورة حقيقة.
جهاز كهذا، سمّه إن شت “درع الثّورة” سيكون خير أداة للإصلاح الجريء و الثّوريّ للأمن كما بيّن و طريقا لتطبيق قانون حقيقي و فعّال للقصاص من النّظام السّابق و أعداء الثّورة خارج سلك الأمن. فرأس جبل الفساد تمّ كشفه، لكنّ كثيرا من أصحاب النّفوذ و المموّلين للردّة و الثّورة المضادّة لا يزالون فاعلين (و هو ما تبرهنه الأحداث كلّ مرّة) و الحكومة نفسها تقرّ بوجود “تسيّس” آثم داخل سلك الأمن.
إنّ تحقيق العدالة الكاملة هو الطّريقة الوحيدة الكفيلة بإعادة كرامة هذا الشّعب و حقوقه و بتحقيق نقلة حقيقيّة و قطع كامل مع أسباب الدّيكتاتوريّة و الفساد السّابقين. و لنا في تاريخ جلّ الثّورات النّاجحة و التّي أفرزت الدّيمقراطيّات العتيّة التّي يستشهد بها أسوة و مثال.
معا من أجل جهاز أمن جديد و ثوريّ. معا من أجل قطع دابر الفساد.