سلام و مرحبا


أقوم المسالك، مدوّنتكم لما وراء الأخبار السّياسيّة و كلّ ما يهمّ الشّأن العام.

Monday, June 10, 2013

تعثّر المسار الثّوري التّونسي، لماذا؟


كنت قد ناقشت في مقال سابق على موقع نواة (أنظر"المعزق في ثورة تونس…بين التعريف والواقع") المصاعب المتعلّقة بتعريفات الثّورة التّونسيّة و تأثير ذلك على إستمراريّتها. و الآن يطلّ علينا عيد الشّهداء بمواجهات حامية بين الجهاز الأمني لحكومة الثّورة و فصائل معارضة متعدّدة، مواجهات تعيد طرح أسئلة كثيرة من حيث الإتّهامات و سقف المطالب: الحكومة تتهّم معارضيها بالسّعي على إسقاطها و المعارضون يتّهمون الحكومة باستعمال "شبّيحة" إلخ...
و في مواصلة للنهج الدّيماغوجي المعهود من نخب بن علي السّياسيّة، تمّ وضع الصّراع في إطار الإسلاميّين ضدّ اليسار. و إن كنت أرى بأنّ الإستقطاب الأيديولوجي يفسّر جزءا مهمّا من الأحداث التّي جدّت خلال عيد الشّهداء و قبيله إلّا أنّ الإقتصار عليه يغيّب عوامل مبدأيّة من طابع الثّورة نفسها. و قد تفكّرت في الأمر و رأيت أنّ الجميع لا يختلفون حول وجود التعثّر. امّا المهمّ الآن فهو تشخيص موطن الدّاء المتأصّل في جسم الثّورة و قد توصّلت إلى جرد 4 عوامل أساسيّة:
1) عدم إكتمال "التّطهير الثّوري":
أو كما عرفناه على شكل حملات شعبيّة عفويّة "ديقاج". و قد تمّ إجهاض هذا المسار في مرحلة جنينيّة و لم يكن بعد قد استكمل هدف تطهير المؤسّسة العموميّة. و هذه الحملات مثّلت ذروة الثّورة و وفّرت "للثوّار" نتائج آنية كفيلة بإضفاء الزّخم و إطالة نفس الجمهور من خلال تقديم ثمال ملموسة و إشفاء غليل الثّائرين. و قد تمّت "هزيمة" هذا التحوّل أو على الأقل الحدّ منه من خلال التّسويف و اعتماد عامل الوقت عموما ممّا حرم التّونسيّين من ثورة مؤسّسات مكتملة.
2) إستكانة الجماهير و الإنحراف بالطّاقة الثّوريّة:
تمثّل هذا في مغادرة الجماهير للسّاحات و أماكن الإعتصامات فور بلوغ خبر هروب بن على. و خلق هذا الفراغ في السّيطرة على الشّارع المتزامن مع الإنسحاب الأمني فرصة لجحافل النّهب و الحرق حتّى تعيث فسادا. و قد أفسدت "أيّام الجمر" والإنفلات الأمني، التّي تلت النّصر النسبيّ، الفرحة على الثّوار كما شوّهت الصّورة الأولى للثّورة عند القطاعات الشّعبيّة الكبيرة (الأغلبيّة) التّي لم تشارك بالثّورة أو لم تتفطّن لها أصلا (عد إلى المقال السّلف الذّكر).
و في مرحلة ثانية، و خصوصا بعد الإنتخابات برز الإستقطاب الثّنائي و الذّي إنحرف بالإمكانيّات الثّورية نحو الصّراع الإسلامو-علماني. و رغم إيماني بأنّ هذا الصّراع كان سيأتي لا محالة إلّا أنّه كان مبكّرا متجاوزا بذلك أهداف الثّورة الواضحة نسبيّا و المتوافق على خطوطها العريضة كالتّطهير المؤسّساتي و الإصلاح الهيكلي الشّامل و المحاسبة و غيرها.
3) إنعدام التنظّم الثّوي:
من المؤسف أنّ أقصى حدّ للتنظّم الثّوري بعد هروب المخلوع كان "مجموعات الحراسة" في الأحياء و التّي غذّاها الخوف من السّرقة لا الدّافع الثّوري عموما. أي أنّ الثّوار لم ينتظموا فورا في تنسيقيّات أو مجالس لفرض الأمر الواقع على أيّ سلطة قادمة و ممارسة الحكم فعلا. عوضا عن ذلك، تقهقرت الثّورة بسرعة إلى أحضان مؤسّسات المعارضة التّقليديّة (معارضة بن علي) من أحزاب و نقابات و منظّمات مدنيّة. و لا يخفى علينا أنّ تلك الهياكل مهترئة و عديمة الجدوى ثوريّا لسببين رئيسيّن: أوّلا قمع بن علي الذّي لم يترك منها سوى قشور و أسماء غالبا وثانيا اعتيادها ذاتيّا على دور الضّحيّة و عدم جهوزيّتها للثّورة المباغتة أو حملها لمشروع ثوريّ بديل. و قد أدّى هذا المسار إلى الإنخراط في المطلبيّة و الإستجداء بدل فرض الوقائع.
4) النّهضة و "الإصلاح النّاعم":
ليس إتّهاما أن نقول أنّ الحركة الكبرى في تونس لم تساند بشكل مباشر التحرّكات الثّوريّة التي تلت هروب بن علي و حاولت النّأي بنفسها عن الشّارع بطريقة أوحت للكثيرين أنّ قيادة الحركة لا تزال تخاف من النّظام أو من إستفزاز الحكومة الإنتقاليّة. و قد تواصل هذا النّهج النّاعم بعد تولّي الحكم على نحو عام حيث نرى براغماتيّة زائدة و استعمالا تصالحيّا للغّة الرّسميّة لا يوحي بحكومة ثوريّة بل إصلاحيّة أساسا.
إذا ما مصير الحراك الثّوي؟
حسب رأيي ستستمرّ المواجهات و التحرّكات الفوضويّة (لا ترقى للّاسلطويّة) والتّي لا يمكنها تقديم البديل و لا يجمعها سوى العدوّ المشترك(التّرويكا، الحكومة، النّهضة...)و التّي تؤدّي إلى تردّي الواقع الإقتصادي. و في المواجهة ستكون السّلطة محتشمة و بطيئة و عاجزة على مجاراة المطالب و الأمنيات التّي يغذّيها غرماؤها. و لكّن هذا التكهّن إن صحّ القول ليس محتوما و يمكن أن تنقلب الموازين في حالة تمكّن أحد اللّاعبين من تحقيق تغيير معتبر في أحد العوامل الأربعة أو حصول أمر جلل آخر.
محمّد فراس العرفاوي

Monday, June 3, 2013

بين النّهضة و السّلفيّة- جزأ1 تقديم السلفيّة

لا تبتئس بما يقوله الشباب المتحمّس اليوم فسرعان ما ستصدمه الجدران و يكتشف أنّه غارق في العنتريات و الدنكشوتيات و أوهام المثالية و سينضج شيئا فشيئا و حينها سيجد نفسه نهضة. لقد ترددت كثير في الحديث عن التيار السلفي و عن نشأته و طريقة تفكيره و لكن صار الظرف ملزما و صرنا نرى مجاوزة للحدّ من هذا الشباب المتحمّس و تغلغلا للأفكار المتطرّفة العنيفة في صفوف شباب الصحوة و أنا لا ألومه بل ألوم حركتنا التي تمتلك مراجعات هذا الفكر و لكنّها لم تنزل للمجتمع وتركت الساحة فارغة لتنمو هذه النبتة الشائكة.
 السلفية لغة واصطلاحا: يدل معنى السلف في اللغة على التقدم والسبق وذكر ابن منظورفي لسان العرب أن السَّلَف والسَّلِيفُ والسُّلْفَةُ: الجماعَةُ المتقدمون" و قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث " وقيل سلف الناس من تقدم بالموت من آبائه وذوي قرابته " و ُطلق مصطلح السلف وهو جمع سالف على كل مَن تقدم الرجل في الزمن من آباء وأجداد و السلف إصطلاحا هم القرون الثلاثة الأولى التّي أشار لها النبي صلّى الله عليه و سلّم في الحديث الذي يرويه النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي , ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ , ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ تَسْبِقُ أَيْمَانُهُمْ شَهَادَتَهُمْ وَشَهَادَتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ " . صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والسلف هم كما عرفهم علماء المسلمين فيما بعد بالصحابة، والتابعين، وتابعيهم بإحسان.
 وأمّا لفظ سلفية و السلفيّون فهي مصطلح معاصر أطلق على الحركة التي قامت في منطقة نجد وسط شبه الجزيرة العربية في أواخر القرن الثاني عشر الهجري الموافق للثامن عشر الميلادي على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1792 م ) ويطلق عليها أيضا الحركة الوهّابية.
 الإطار التّاريخي: وصل واقع الأمة في القرن 18 إلى أدنى مستوى من التّخلّف وكانت أهمّ مضاهر الإنحطات فيه انحراف عقدي ووضع سياسي سقيم و خطر خارجي محدق ممّا شكّل أرضية خصبة لانطلاق مراحل الإصلاح فكانت البداية مع تجربة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب في نجد بشبه الجزيرة العربية (سنة 1744م 1158هـ ) و جاءت بعدها الحركة السنوسية 1840 بليبيا و المهدية 1871 بالسودان و على إثرها برزت شخصيات فكرية انطلقت من حيث انتهت إليه تجارب الإصلاح ( الشرقية و الغربية ) فدرستها و نقدت أطروحاتها و تبنت حسنها و تركت سقيمها (و الملاحظ أنّ الانبهار بمكتسبات الغرب كان طاغيا في طيات الكتابات) , و كان من أبرز الأسماء الطهطاوي و الكواكبي والأفغاني و بن باديس و خير الدين التونسي و محمد عبده و محمد رشيد رضا و غيرهم.
 ثم تلى هذا التيّار الفكري بروز حركة الإخوان مع حسن البنّا سنة 1928 و الجماعة الإسلامية مع المودودي سنة 1941 وانتهى السلّم بحركة النهضة في تونس في بناء تراكمي لإنتاج الإصلاح المأمول.
 تاريخ النشأة: برزت مدرسة أهل الحديث في القرن الثالث هجري في مواجهة المعتزلة و انقسمت فيما بعد إلى حنبلية و أشعرية واحتدم الصراع بينهما حتى غلب الفكر الأشعري في البروز و تقريبا أفل نجم الفكرالحنبلي وانحسر في بغداد وفي القرن الثالث عشر ميلادي ظهر ابن تميمة(661هـ -1262 م ـ) فعمل على إحياء الفكر السلفي الحنبلي و تطويره مع عدد من تلاميذه مثل الذهبي و ابن قيم الجوزية وهذه الدعوة أثارت جدلا واسعا مما أدى إلى انحسارها لتعاود الظهور مرة أخرى في القرن الثامن عشر ميلاديا متمثلة في الحركة الوهابية بقيادة محمد بن عبد الوهاب بالتعاون مع محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى. و جوهر الفرق بين الأشاعرة و الحنابلة في المذهب اللعقدي قائم حول تفسير آيات أو أحاديث الصفات الخبرية لله تعالى و فهمها من مثل" الاستواء على العرش" و" الله في السماء "و" يد الله فوق أيديهم" و "لتصنع على عيني" و باقي ما اتصف به الله في القرآن و السنّة. و قد ذهب الحنابلة في فهم هذه الآيات إلى القول بأنّ لله يد على الحقيقة و هو في السماء بذاته و هو على وارتفع على العرش و له عين على الحقيقة و لكن ليس كأيدي البشر أو كأعينهم أو كاستوائهم و يقولون نحن نثبت لله ما أثبته لنفسه دون تشبيه أو تعطيل أو تكييف. و أمّا الأشاعرة فقالوا إنّ اللعة العربية تحتمل التأويل فكلّ لفظ يفهم من معناه الظاهر تشبيه الله بخلقه أو أنّه لا يجوز في حقّ الله من صفات نصرفه لمعناه المؤوّل حسب قواعد اللغة العربية من مثل قول الله تعالى "((نسوا الله فنسيهم)) من سورة التوبة، فتأتي كلمة النسيان في كلام العرب بمعنى الآفة وذهاب العلم و غيابه، وتأتي أيضا بمعنى الترك واستعمالها بالمعنى الأول أكثر ولذا كان هو المعنى الظاهر من كلمة النسيان والمعنى الثاني وهو الترك هو الاحتمال المرجوح لذا فإنه يتعيّن العدول عن تفسير النسيان في الآية عن الظاهر الراجح وهو الآفة وذهاب العلم إلى الاحتمال المرجوح وهو الترك، والقرينة الصارفة عن المعنى الأول هو استحالة (الآفة وذهاب العلم)على الله. وذهب الحنابلة إلى القول أنّ الله في السماء بذاته لقوله تعالى " أأمنتم من في السماء" فالله أثبت لنفسه بأنّه في السماء. و ذهب الأشاعرة إلى القول بأنّ السماء تعني في اللغة العربية المكان و هو ما سوى الأرض و تعني أيضا العلوّ و الارتفاع و السماء مخلوق و الله هو الغني فلا يحتاج لخلقه فوجب العدول عن تفسير السماء بالمكان إلى المعنى الثاني وهو العلوّ تنزيها لله عن السفل والتحت واحتياجه لخلقه . و الملاحظ أنّ الاختلاف ليس في إثبات الآيات أو الأحاديث بل في إثبات فهم و شرح كلّ فرقة لها, وقد وصل انكار الفرقتين على بعضهما إلى حدّ التكفير و العداوة و الإقتتال ونفى الحنابلة أيّ دور للعقل و حقّروا من مهمّته أمام النصّ و بالغ غلاة الأشاعرة في التأويل حتى أهدروا النصوص و ضيّعوا المعاني وبقي شقّ كبير من الأشاعرة في منطقة وسط بين التأويل والأخذ بالظاهر.
صورة للشيخ بن عبد الوهاب
وتبنّى الشيخ بن عبد الوهاب عقيدة الحنابلة تأثُّرا ببن تيمية (1263-م 1328م من أبرز علماء الحنابلة) واعتمد الإضافات التي أدخلها الشيخ بن تيمية من مثل تقسيم التوحيد إلى أقسام ثلاثة (الألوهية و الربوبية و الأسماء و الصفات ) و نواقض الاسلام العشرة وهي كانت المنطلق و الرّكزة التي خوّلت للشيخ بن عبد الوهاب تأصيل التكفير و جعله قاعدة من قواعد الإسلام إذ يقول في إحدى رسائله(الواجبات المتحتمات المعرفة على كل مسلم ومسلمة) " أصل الدين وقاعدته أمران: الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض على ذلك والموالاة فيه وتكفير من تركه. الثاني: الإنذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله". وكانت حركته ترجمة عملية لهذه الأفكار و على ضوئها رأى أنّ الشرك قد انتشر في البلاد الإسلامية، حتى أصبح الناس مشركين كمشركي الجاهلية، حيث يقول عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ وهو أحد أحفاده: (وأهل نجد كانوا قبل هذه الدعوة - الدعوة الوهابية - قد بعدوا كل البعد عن تعاليم الدين والإسلام وتردوا في هاوية سحيقة من الشرك والضلال فعادوا إلى ما كان عليه مشركو الجاهلية الأولى قبل البعثة من التعلق على غير الله من الأولياء والصالحين وغيرهم من الأوثان والأصنام... وبهذا يعلم أنما كان عليه أهل نجد قبل ظهور دعوة الشيخ - ابن عبد الوهاب - من عبادة الأوثان دين شرك باطل).
 ومن هذا التحليل للواقع رأى الشيخ بن عبد الوهّاب أنّ الحلّ يكون في تنقية عقائد المسلمين والتخلص من العادات والممارسات التعبدية التي انتشرت في بلاد الإسلام المخالفة لجوهر الإسلام التوحيدي مثل التوسل، والتبرك بالقبور وبالأولياء، والبدع بكافة أشكالها
يتبع (الجزء الثاني). 
نقل بتصّرف عن https://www.facebook.com/borghol.walid